الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : من الناس من احتج بهذه الآية على أن الأصل في المضار الحرمة ، فقال : لو كان الضرر مشروعا لكان إما أن يكون مشروعا على وجه يكون جزاء على جرم صادر منهم أو لا على هذا الوجه ، والقسمان باطلان ، فوجب أن لا يكون مشروعا أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                            أما بيان فساد القسم الأول ، فقوله تعالى : ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة )

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 48 ] والاستدلال به من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن كلمة " لو " وضعت لانتفاء الشيء لانتفاء غيره . فقوله : ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة . يقتضي أنه تعالى ما أخذهم بظلمهم ، وأنه ترك على ظهرها من دابة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه لما دلت الآية على أن لازمة أخذ الله الناس بظلمهم هو أن لا يترك على ظهرها دابة ، ثم إنا نشاهد أنه تعالى ترك على ظهرها دواب كثيرين ، فوجب القطع بأنه تعالى لا يؤاخذ الناس بظلمهم ، فثبت بهذا أنه لا يجوز أن تكون المضار مشروعة على وجه تقع أجزية عن الجرائم

                                                                                                                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : وهو أن يكون مشروعا ابتداء لا على وجه يقع أجزية عن جرم سابق ، فهذا باطل بالإجماع ، فثبت أن مقتضى هذه الآية تحريم المضار مطلقا ، ويتأكد هذا أيضا بآيات أخرى كقوله تعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) [ الأعراف : 56 ] وكقوله : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ الحج : 78 ] وكقوله ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [ البقرة : 185 ] وكقوله عليه السلام : " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " وكقوله : " ملعون من ضر مسلما " فثبت بمجموع هذه الآيات والأخبار أن الأصل في المضار الحرمة ، فنقول : إذا وقعت حادثة مشتملة على الضرر من كل الوجوه ، فإن وجدنا نصا خاصا يدل على كونه مشروعا قضينا به تقديما للخاص على العام ، وإلا قضينا عليه بالحرمة بناء على هذا الأصل الذي قررناه . ومنهم من قال : هذه القاعدة تدل على أن كل ما يريده الإنسان وجب أن يكون مشروعا في حقه ; لأن المنع منه ضرر ، والضرر غير مشروع بمقتضى هذا الأصل ، وكل ما يكرهه الإنسان وجب أن يحرم ; لأن وجوده ضرر ، والضرر غير مشروع ، فثبت أن هذا الأصل يتناول جميع الوقائع الممكنة إلى يوم القيامة . ثم نقول : القياس الذي يتمسك به في إثبات الأحكام إما أن يكون على وفق هذه القاعدة أو على خلافها ، والأول باطل ; لأن هذا الأصل يغني عنه ، والثاني باطل ; لأن النص راجح على القياس ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية