الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 87 ] ( ولا قطع بنكول وإقرار مولى على عبده بها وإن لزم المال ) لإقراره على نفسه ( و ) السارق ( لا يفتى بعقوبته ) لأنه جور تجنيس ، وعزاه القهستاني للواقعات معللا بأنه خلاف الشرع ، ومثله في السراجية . ونقل عن التجنيس عن عصام أنه سئل عن سارق ينكر ؟ فقال عليه اليمين ، فقال الأمير سارق ويمين ؟ هاتوا بالسوط ، ، فما ضربوه عشرة حتى أقر فأتى بالسرقة فقال : سبحان الله ما رأيت جورا أشبه بالعدل من هذا . وفي إكراه البزازية : من المشايخ من أفتى بصحة إقراره بها مكرها . وعن الحسن : يحل ضربه حتى يقر ما لم يظهر العظم . ونقل المصنف عن ابن العز الحنفي : صح { أنه عليه الصلاة والسلام أمر الزبير بن العوام بتعذيب بعض المعاهدين حين كتم كنز حيي بن أخطب ففعل فدلهم على المال } " قال وهو الذي يسع الناس وعليه العمل ، وإلا فالشهادة على السرقات أندر [ ص: 88 ] الأمور . ثم نقل عن الزيلعي في آخر باب قطع الطريق جواز ذلك سياسة ، وأقره المصنف تبعا للبحر وابن الكمال . زاد في النهر : وينبغي التعويل عليه في زماننا لغلبة الفساد ، ويحمل ما في التجنيس على زمانهم ، ثم نقل المصنف قبله عن القنية : لو كسر سنه ويده ضمن الشاكي أرشه كالمال ، لا لو حصل ذلك بتسوره الجدار أو مات بالضرب لندوره . وعن الذخيرة : لو صعد السطح ليفر خوف التعذيب فسقط فمات ثم ظهرت السرقة على يد آخر كان للورثة أخذ الشاكي بدية أبيهم وبما غرمه للسلطان لتعديه في هذا التسبب وسيجيء في الغصب .

التالي السابق


( قوله ولا قطع بنكول ) أي نكول السارق عن الحلف عند القاضي ( قوله لإقراره على نفسه ) علة للزوم المال في المسألتين ; لأن النكول إقرار معنى ، وإقرار السيد على عبد يوجب توجه المطالبة على نفسه أفاده ط ( قوله ونقل ) أي في القهستاني ومثله في الذخيرة ، وهو تأييد لما قبله حيث سماه جورا شبيها بالعدل .

مطلب ترجمة عصام بن يوسف ( قوله عن عصام ) هو عصام بن يوسف من أصحاب أبي يوسف ومحمد ، ومن أقران محمد بن سماعة وابن رستم وأبي حفص البخاري ( قوله أنه سئل ) أي سأله حبان بن جبلة أمير بلخ رملي ( قوله سارق ويمين ) تعجب من طلب اليمين منه فإنه لا يبالي لإقدامه على ما هو أشد جناية لكن الشرع لم يعتبر هذا ( قوله فقال ) أي عصام ( قوله ما رأيت جورا إلخ ) سماه جورا باعتبار الصورة وإلا فهو عدل حيث توصل به إلى إظهار الحق ، وتقدم أن للقاضي تعزير المتهم وقدمنا بيانه ( قوله بصحة إقراره بها مكرها ) أي في حق الضمان لا في حق القطع كما قدمناه ( قوله وعن الحسن ) هو ابن زياد من أصحاب الإمام ( قوله يحل ضربه إلخ ) لم يصرح الحسن به بل هو مفهوم كلامه .

مطلب في جواز ضرب السارق حتى يقر قال في البحر : وسئل الحسن بن زياد : أيحل ضرب السارق حتى يقر ؟ قال : ما لم يقطع اللحم لا يتبين العظم ولم يزد على هذا ا هـ كلام البحر ، وهو ضرب مثل : أي ما لو لم يعاقب لا تظهر السرقة ، ففي عبارة الشارح سقط من الكاتب أو من قلمه بدليل أنه في شرحه على الملتقى ذكر عبارة الحسن على وجهها فلم يكن ما هنا تصرفا منه بسوء فهمه إذ لم نعهد هذا الشارح الفاضل وصل في البلادة إلى ما زعمه من هو مولع بالاعتراض عليه فافهم ( قوله عن ابن العز ) أي في كتابه التنبيه على مشكلات الهداية ، حيث قال : الذي عليه جمهور الفقهاء في المتهم بسرقة ونحوها أن ينظر ، فإما أن يكون معروفا بالبر لم تجز مطالبته ولا عقوبته ، وهل يحلف ؟ قولان .

ومنهم من قال [ ص: 88 ] يعزر متهمه . وإما أن يكون مجهول الحال فيحبس حتى يكشف أمره ، قيل شهرا ، وقيل باجتهاد ولي الأمر . وإن كان معروفا بالفجور ، فقالت طائفة يضربه الوالي أو القاضي . وقالت طائفة يضربه الوالي دون القاضي . ومنهم من قال لا يضربه وقد ثبت في الصحيح { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزبير بن العوام أن يمس بعض المعاهدين بالعذاب لما كتم إخباره بالمال الذي كان صلى الله عليه وسلم قد عاهدهم عليه ، وقال له أين كنز حيي بن أخطب ؟ فقال يا محمد أنفذته النفقات والحروب ، فقال : المال كثير والمسألة أقرب ، وقال للزبير : دونك هذا فمسه الزبير بشيء من العذاب فدلهم على المال } " وهو الذي يسع الناس وعليه العمل إلخ ، وتمامه في المنح ( قوله ثم نقل ) أي المصنف ، وقوله جواز ذلك : أي جواز ضرب المتهم حيث قال نقلا عن الزيلعي .

ومنها : أي ومن السياسة ما حكي عن الفقيه أبي بكر الأعمش أن المدعى عليه إذا أنكر فللإمام أن يعمل فيه بأكبر رأيه ، فإن غلب على ظنه أنه سارق وأن المسروق عنده عاقبه ويجوز ذلك ، كما لو رآه الإمام مع الفساق في مجلس الشرب ، وكما لو رآه يمشي مع السراق ، وبغلبة الظن أجازوا قتل النفس ، كما إذا دخل عليه رجل شاهرا سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله . ا هـ . ( قوله لغلبة الفساد ) تمام عبارة النهر : وكيف يؤتى للسارق ليلا بالبينة بل ولا في النهار ا هـ يعني لا يتوقف جواز ضربه على إقامة البينة حيث كان من أهل التهمة وتقدم في التعزير أن للقاضي تعزير المتهم ، وقدمنا هناك عن ابن القيم حكاية الإجماع على ذلك ، وقد سمعت آنفا تصريح الزيلعي بأن هذا من السياسة ، وبه يعلم أن للقاضي فعل السياسة ( قوله ويحمل ما في التجنيس ) وهو ما قدمه المصنف من أنه لا يفتى بعقوبة السارق ( قوله لو كسر سنه ) بضم أوله مبنيا للمجهول ، وأصل العبارة : لو شكا للوالي بغير حق فأتى بقائد فضرب المشكو عليه فكسر سنه أو يده إلخ ( قوله كالمال ) أي كما يضمن لو غرمه الوالي مالا .

( قوله لا لو حصل ) أي لا يضمن الأرش لو حبسه الوالي فهرب وتسور جدار السجن فحصل ما ذكر من كسر سنه أو يده أو مات بضرب القائد ( قوله كان للورثة أخذ الشاكي بدية أبيهم ) الظاهر أنه لا ينافي ما مر عن القنية لتعليله بظهور تعديه هنا : أي حيث ظهرت السرقة على يد آخر ، بخلاف ما مر تأمل ( قوله لتعديه في هذا التسبب ) قال في الذخيرة بعد عزوه المسألة لمجموع النوازل : قيل هذا الجواب مستقيم في حق الغرامة أصله السعاية غير مستقيم في حق الدية ; لأنه صعد السطح باختياره ، وقيل هو مستقيم في الدية أيضا ; لأنه مكره على الصعود للفرار من حيث المعنى ا هـ وقوله أصله السعاية ، أي أن الأصل في ذلك تضمينهم الساعي إذا كان بغير حق ( قوله وسيجيء في الغصب ) حيث قال متنا وشرحا : لو سعى إلى سلطان بمن يؤذيه ، والحال أن لا يدفع بلا رفع إلى السلطان أو سعى بمن يباشر الفسق ولا يمتنع بنهيه أو قال لسلطان قد يغرم وقد لا يغرم إنه قد وجد كنزا فغرمه السلطان شيئا لا يضمن في هذه المذكورات ، ولو غرم السلطان ألبتة بمثل هذه السعاية ضمن ، وكذا يضمن لو سعى بغير حق عند محمد زجرا له : أي للساعي وبه يفتى وعزر ، ولو الساعي عبدا طولب بعد عتقه ، ولو مات الساعي [ ص: 89 ] فللمسعي به أن يأخذ قدر الخسران من تركته هو الصحيح جواهر الفتاوى . ونقل المصنف أنه لو مات المشكو عليه بسقوطه من سطح لخوفه غرم الشاكي ديته ، لا لو مات بالضرب لندوره وقد مر في باب السرقة . ا هـ . قلت أنت خبير بأن ما ذكره في باب السرقة مخالف لما عزاه إليها .

مطلب في ضمان الساعي ثم حاصل ما ذكره من ضمان الساعي أنه لو سعى بحق لا يضمن ولو بلا حق ، فإن كان السلطان يغرم بمثل هذه السعاية ألبتة يضمن ، وإن كان قد يغرم وقد لا يغرم لا يضمن والفتوى على قول محمد من ضمان الساعي بغير حق مطلقا ويعزر ، بل قدمنا إباحة قتله ، بل أفتى بعض مشايخ المذهب بكفره




الخدمات العلمية