الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ومن حكمه [ ص: 315 - 319 ] حرمان الميراث لقوله عليه الصلاة والسلام : " { لا ميراث لقاتل }.

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني :

                                                                                                        قال عليه السلام : { لا ميراث للقاتل }; قلت : أخرجه الترمذي في " الفرائض " ، وابن ماجه " فيه وفي الديات " عن إسحاق بن عبد الله عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { القاتل لا يرث }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : هذا حديث لا يصح ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم : منهم أحمد بن حنبل ، [ ص: 320 ] انتهى .

                                                                                                        وعزا شيخنا علاء الدين هذا الحديث مقلدا لغيره إلى النسائي ، ولم أجده ، ولا عزاه أصحاب " الأطراف " ، مع أن الشيخ ، والذي قلده تركا ابن ماجه ، لكني وجدت الدارقطني في " سننه " رواه من طريق النسائي : حدثنا قتيبة ثنا الليث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة به ، ثم قال : قال أبو عبد الرحمن : إسحاق متروك ، وإنما أخرجه في مشايخ الليث لئلا يترك من الوسط انتهى .

                                                                                                        فلعله في " سننه الكبرى " ، والله أعلم . وأما حديث عمرو بن شعيب

                                                                                                        عن أبيه عن جده : فأخرجه أبو داود في " الديات " عن محمد بن راشد حدثني سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم دية الخطإ على أهل القرى أربعمائة دينار } ، فذكره بطوله ، إلى أن قال في آخره : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس للقاتل شيء ، وإن لم يكن له وارث ، فوارثه أقرب الناس إليه ، ولا يرث القاتل شيئا } ، مختصر ومحمد بن راشد الدمشقي فيه مقال ، وأخرجه النسائي عن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج ، ويحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب به مرفوعا ، { ليس للقاتل من الميراث شيء }انتهى . ثم رواه من طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمر قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليس لقاتل شيء } ، قال : وهو الصواب ، وحديث ابن عياش خطأ انتهى .

                                                                                                        وضعف ابن القطان الأول بأنه من رواية إسماعيل بن عياش ، من غير الشاميين ، وهي ضعيفة عند البخاري ، وغيره ، انتهى . وأما حديث عمر :

                                                                                                        فأخرجه ابن ماجه في " الديات " عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن أبا قتادة رجل من بني مدلج قتل ، فأخذ منه عمر مائة من الإبل : ثلاثين حقة ، وثلاثين جذعة ، وأربعين خلفة ، فقال ابن أخي المقتول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ليس لقاتل ميراث }انتهى . ورواه مالك في [ ص: 321 ] " الموطإ " عن يحيى بن سعيد به .

                                                                                                        وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، وعبد الرزاق في " مصنفه " ، ومن طريق مالك رواه أيضا النسائي في " سننه " كما تقدم ، وقال : هو الصواب ، قال البيهقي في " المعرفة " : وحديث عمرو بن شعيب عن عمر فيه انقطاع ، انتهى . طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن سليمان بن أبي داود ثنا عبد الله بن جعفر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر ، فذكره . وأعله ابن القطان في " كتابه " بأن سعيدا لم يسمع من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن ، قال : ومنهم من أنكره مطلقا انتهى .

                                                                                                        وأعله ابن الجوزي في " التحقيق " بمحمد بن سليمان هذا ، قال : قال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث ، وأقره صاحب " التنقيح " عليه . وأما حديث ابن عباس :

                                                                                                        فأخرجه الدارقطني أيضا عن أبي حمة عن أبي قرة عن سفيان عن ليث عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وأعله ابن القطان بأبي حمة ، وبالليث ، قال : وأبو حمة محمد بن يوسف ، وكنيته أبو يوسف ، قال : ولا أعرف ، ولم أر من ذكره إلا ابن الجارود في " كتاب الكني " ، ولم يذكر له حالا انتهى .

                                                                                                        وقال عبد الحق في " أحكامه " : وأبو قرة هذا أظنه موسى بن طارق ، وكان لا بأس به ، وليث هو ابن أبي سليم ، وهو ضعيف الحديث ، انتهى .

                                                                                                        حديث آخر :

                                                                                                        رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن زهير التستري ثنا جعفر بن محمد الوراق الواسطي ثنا خالد بن مخلد القطواني ثنا يحيى بن عمر المدني حدثني { عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي ، قال : كنت أداعب امرأتي ، فأصابت يدي بطنها ، فماتت وذلك في غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فأتيته ، فأخبرته عن امرأتي ، وأني [ ص: 322 ] أصبتها خطأ ، فقال : لا ترثها } ، انتهى . حديث مخالف لما تقدم :

                                                                                                        روى ابن ماجه في " سننه " أخبرنا علي بن محمد ، ومحمد بن يحيى ، قالا : ثنا عبيد الله بن موسى عن الحسن بن صالح عن محمد بن سعيد ، وقال : محمد بن يحيى عن عمر بن سعيد عن عمرو بن شعيب ، قال : حدثني أبي عن جدي عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة ، فقال : لا يتوارث أهل ملتين ، والمرأة ترث من دية زوجها وماله ، وهو يرث من ديتها ومالها ، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا ، فإن قتل صاحبه عمدا لم يرث من ديته وماله شيئا ، وإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ، ولم يرث من ديته }انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني في " سننه " ، وقال : محمد بن سعيد هذا هو الطائفي ، وهو ثقة انتهى . وقال عبد الحق في " أحكامه " ، بعد أن ذكره من جهة الدارقطني : ومحمد بن سعيد هذا أظنه الصلت ، وهو متروك عند الجميع انتهى .

                                                                                                        وكأنه لم ينظر كلام الدارقطني ، أو يكون توثيق الدارقطني له ساقطا في بعض النسخ ، والله أعلم ; وقال في " التنقيح " : وقد وقع في بعض نسخ ابن ماجه عمرو بن سعيد بالواو وهو كذلك في أطراف ابن عساكر ، وهو خطأ ، نبه عليه شيخنا أبو الحجاج المزي ، وفرق شيخنا في " التهذيب " بين راوي هذا الحديث عن عمر ، وبين محمد بن سعيد الطائفي ، وعند الدارقطني أنه الطائفي ، والله أعلم انتهى كلامه . وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : والحسن بن صالح مجروح ، قال ابن حبان : يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات انتهى . قال في " التنقيح " : وهذا خطأ ، فإن الحسن بن صالح هذا هو ابن حيي ، وهو من الثقات الحفاظ ، المخرج لهم في الصحيح ، والذي تكلم فيه ابن حبان هو آخر ، مختلف في نسبته ، يروي عن ثابت عن أنس ، ويقال له : العجلي ، وقد ذكره ابن الجوزي في [ ص: 323 ] " الضعفاء " ، وحكى كلام ابن حبان فيه ، ثم قال : والحسن بن صالح عشرة ، ليس فيهم مجروح انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية