الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 568 ] قوله - عز وجل -:

ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون

هذا إخبار من الله - عز وجل - عما يكون منهم؛ وعبر عن معان مستقبلة بصيغة ماضية؛ وهذا حسن فيما تحقق وقوعه؛ وهذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب؛ وهو بأن يشرفوا عليهم؛ ويخلق الإدراك في الأسماع؛ والأبصار.

وقرأ جمهور الناس: "نعم"؛ بفتح العين؛ وقرأ الكسائي : "نعم"؛ بكسر العين؛ ورويت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعن النبي - صلى اللـه عليه وسلم -؛ وقرأها ابن وثاب ؛ والأعمش ؛ قال الأخفش : هما لغتان؛ ولم يحك سيبويه الكسر؛ وقال: "نعم": عدة؛ وتصديق؛ أي: مرة هذا؛ ومرة هذا؛ وفي كتاب أبي حاتم عن الكسائي ؛ عن شيخ من ولد الزبير قال: ما كنت أسمع أشياخ قريش يقولون إلا "نعم"؛ بكسر العين؛ ثم فقدتها بعده؛ وفيه عن قتادة ؛ عن رجل من خثعم قال: قلت للنبي - صلى اللـه عليه وسلم -: أنت تزعم أنك نبي؟ قال: "نعم"؛ بكسر العين؛ وفيه عن أبي عثمان النهدي قال: سأل عمر - رضي الله عنه - عن شيء فقالوا: "نعم"؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: "النعم: الإبل؛ والشاء؛ قولوا: نعم"؛ بكسر العين؛ قال أبو حاتم : وهذه اللغة لا تعرف اليوم بالحرمين.

وقوله تعالى فأذن مؤذن بينهم ؛ الآية؛ قال أبو علي الفارسي ؛ والطبري ؛ وغيرهما: "أذن مؤذن"؛ بمعنى: "أعلم معلم"؛ قال سيبويه : "أذنت": إعلام بتصويت.

وقرأ ابن كثير في رواية قنبل ؛ ونافع وأبو عمرو ؛ وعاصم ؛ "أن لعنة الله"؛ بتخفيف "أن"؛ من الثقيلة؛ ورفع "لعنة"؛ وقرأ ابن عامر ؛ وحمزة ؛ والكسائي ؛ وابن كثير ؛ في رواية البزي ؛ وشبل: "أن لعنة"؛ بتثقيل "أن"؛ ونصب "لعنة"؛ وكلهم قرأ التي في النور: [ ص: 569 ] "أن لعنة الله"؛ و"أن غضب الله"؛ بتشديد النون؛ غير نافع ؛ فإنه قرأهما: "أن لعنة"؛ و"أن غضب"؛ مخففتين؛ وروى عصمة عن الأعمش : "مؤذن بينهم إن"؛ بكسر الألف؛ على إضمار قال.

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: لما كان الأذان قولا؛ والظالمون في هذه الآية: الكافرون.

ثم ابتدأ صفتهم بأفعالهم في الدنيا ليكون علامة أن أهل هذه الصفة هم المراد يوم القيامة بقوله: أن لعنة الله على الظالمين ؛ و "يصدون"؛ معناه: يعرضون؛ و"السبيل": الطريق؛ والمنهج؛ ويذكر؛ ويؤنث؛ وتأنيثها أكثر؛ و "ويبغونها"؛ معناه: يطلبونها؛ أو يطلبون لها؛ فإن قدرت يطلبونها؛ فـ "عوجا"؛ نصب على الحال؛ ويصح أن يكون من الضمير العائد على "السبيل"؛ أي: "معوجة"؛ ويصح أن يكون من ضمير الجماعة في "ويبغونها"؛ أي: معوجين؛ وإن قدرت "يبغونها": يطلبون لها؛ وهو ظاهر تأويل الطبري - رحمه الله -؛ فـ "عوجا"؛ مفعول "يبغون"؛ و"العوج"؛ بكسر العين؛ في الأمور والمعاني؛ و"العوج"؛ بفتح العين؛ في الأجرام؛ والمتنصبات.

التالي السابق


الخدمات العلمية