الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            فصل : وأما الحديث الآخر فأخرجه أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه ، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عبد الرحمن المقري عن حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام . ولا شك أن ظاهر هذا الحديث مفارقة الروح لبدنه الشريف في بعض الأوقات وهو مخالف للأحاديث السابقة ، وقد تأملته ففتح علي في الجواب عنه بأوجه : الأول - وهو أضعفها - أن يدعي أن الراوي وهم في لفظة من الحديث حصل بسببها الإشكال ، وقد ادعى ذلك العلماء في أحاديث كثيرة ولكن الأصل خلاف ذلك فلا يعول على هذه الدعوى .

            الثاني : وهو أقواها ولا يدركه إلا ذو باع في العربية أن قوله : " رد الله " جملة حالية ، وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا وقعت فعلا ماضيا قدرت فيها قد كقوله تعالى : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم ) أي : قد حصرت ، وكذا تقدر هنا والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع [ ص: 182 ] من كل أحد وحتى ليست للتعليل ، بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو ، فصار تقدير الحديث : ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك فأرد عليه ، وإنما جاء الإشكال من ظن أن جملة رد الله علي بمعنى الحال أو الاستقبال ، وظن أن حتى تعليلية ، وليس كذلك ، وبهذا الذي قررناه ارتفع الإشكال من أصله ، وأيده من حيث المعنى أن الرد ولو أخذ بمعنى الحال والاستقبال لزم تكرره عند تكرر المسلمين ، وتكرر الرد يستلزم تكرار المفارقة ، وتكرار المفارقة يلزم عليه محذوران : أحدهما تأليم الجسد الشريف بتكرار خروج الروح منه أو نوع ما من مخالفة التكريم إن لم يكن تأليم ، والآخر مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم ، فإنه لم يثبت لأحد منهم أن يتكرر له مفارقة الروح وعودها في البرزخ ، والنبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة ، ومحذور ثالث وهو مخالفة القرآن فإنه دل على أنه ليس إلا موتتان وحياتان ، وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل ، ومحذور رابع وهو مخالفة الأحاديث المتواترة السابقة وما خالف القرآن والمتواتر من السنة وجب تأويله ، وإن لم يقبل التأويل كان باطلا ; فلهذا وجب حمل الحديث على ما ذكرناه .

            الوجه الثالث : أن يقال أن لفظ الرد قد لا يدل على المفارقة ، بل كنى به عن مطلق الصيرورة كما قيل في قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام : ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم ) إن لفظ العود أريد به مطلق الصيرورة لا العود بعد انتقال ; لأن شعيبا عليه السلام لم يكن في ملتهم قط ، وحسن استعمال هذا اللفظ في هذا الحديث مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله : " حتى أرد عليه السلام " ، فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره في آخر الحديث .

            الوجه الرابع : وهو قوي جدا ، أنه ليس المراد برد الروح عودها بعد المفارقة للبدن ، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدة ربه كما كان في الدنيا في حالة الوحي وفي أوقات أخر ، فعبر عن إفاقته من تلك المشاهدة وذلك الاستغراق برد الروح ، ونظير هذا قول العلماء في اللفظة التي وقعت في بعض أحاديث الإسراء وهي قوله : " فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام " ، ليس المراد الاستيقاظ من نوم فإن الإسراء لم يكن مناما ، وإنما المراد الإفاقة مما خامره من عجائب الملكوت ، وهذا الجواب الآن عندي أقوى ما يجاب به عن لفظة الرد ، وقد كنت رجحت الثاني ثم قوي عندي هذا .

            [ ص: 183 ] الوجه الخامس : أن يقال إن الرد يستلزم الاستمرار ; لأن الزمان لا يخلو من مصل عليه في أقطار الأرض فلا يخلو من كون الروح في بدنه .

            السادس : قد يقال : أنه أوحي إليه بهذا الأمر أولا قبل أن يوحى إليه بأنه لا يزال حيا في قبره ، فأخبر به ثم أوحي إليه بعد بذلك ، فلا منافاة لتأخير الخبر الثاني عن الخبر الأول ، هذا ما أفتح الله به من الأجوبة ولم أر شيئا منها منقولا لأحد ، ثم بعد كتابتي لذلك راجعت كتاب الفجر المنير فيما فضل به البشير النذير للشيخ تاج الدين بن الفاكهاني المالكي فوجدته قال فيه ما نصه : روينا في الترمذي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام يؤخذ من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حي على الدوام ، وذلك أنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد مسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في ليل أو نهار ، فإن قلت : قوله عليه السلام : " إلا رد الله إلي روحي " لا يلتئم مع كونه حيا على الدوام بل يلزم منه أن تتعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة ، إذ الوجود لا يخلو من مسلم يسلم عليه كما تقدم ، بل يتعدد السلام عليه في الساعة الواحدة كثيرا ، فالجواب والله أعلم أن يقال : المراد بالروح هنا النطق مجازا ، فكأنه قال عليه السلام : إلا رد الله إلي نطقي وهو حي على الدوام ، لكن لا يلزم من حياته نطقه ، فالله سبحانه يرد عليه النطق عند سلام كل مسلم ، وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة ، فعبر عليه السلام بأحد المتلازمين عن الآخر ، ومما يحقق ذلك أن عود الروح لا يكون إلا مرتين عملا بقوله تعالى : ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) هذا لفظ كلام الشيخ تاج الدين ، وهذا الذي ذكره من الجواب ليس واحدا من الستة التي ذكرتها ، فهو إن سلم - جواب سابع - وعندي فيه وقفة من حيث إن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه حيا في البرزخ يمنع عنه النطق في بعض الأوقات ويرد عليه عند سلام المسلم عليه ، وهذا بعيد جدا بل ممنوع ، فإن العقل والنقل يشهدان بخلافه ، أما النقل فالأخبار الواردة عن حاله صلى الله عليه وسلم وحال الأنبياء عليهم السلام في البرزخ مصرحة بأنهم ينطقون كيف شاءوا لا يمنعون من شيء ، بل وسائر المؤمنين كذلك الشهداء وغيرهم ينطقون في البرزخ بما شاءوا غير ممنوعين من شيء ، ولم يرد أن أحدا يمنع من النطق في البرزخ إلا من مات عن غير وصية ، أخرج أبو الشيخ بن حيان في كتاب الوصايا عن قيس بن قبيصة قال : قال [ ص: 184 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى ، قيل : يا رسول الله وهل يتكلم الموتى ؟ قال : نعم ويتزاورون ، وقال الشيخ تقي الدين السبكي : حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ، ويشهد له صلاة موسى في قبره ، فإن الصلاة تستدعي جسدا حيا ، وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ، ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب ، وأما الإدراكات كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى ، انتهى ، وأما العقل فلأن الحبس عن النطق في بعض الأوقات نوع حصر وتعذيب ، ولهذا عذب به تارك الوصية ، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك ، ولا يلحقه بعد وفاته حصر أصلا بوجه من الوجوه كما قال لفاطمة رضي الله عنها في مرض وفاته : لا كرب على أبيك بعد اليوم وإذا كان الشهداء وسائر المؤمنين من أمته إلا من استثنى من المعذبين لا يحصرون بالمنع من النطق فكيف به صلى الله عليه وسلم ، نعم يمكن أن ينتزع من كلام الشيخ تاج الدين جواب آخر ويقرر بطريق أخرى ، وهو أن يراد بالروح النطق وبالرد الاستمرار من غير مفارقة على حد ما قررته في الوجه الثالث ، ويكون في الحديث على هذا مجازان : مجاز في لفظ الرد ، ومجاز في لفظ الروح ، فالأول استعارة تبعية ، والثاني مجاز مرسل ، وعلى ما قررته في الوجه الثالث يكون فيه مجاز واحد في الرد فقط ، ويتولد من هذا الجواب جواب آخر وهو أن يكون الروح كناية عن السمع ، ويكون المراد أن الله يرد عليه سمعه الخارق للعادة بحيث يسمع المسلم وإن بعد قطره ويرد عليه من غير احتياج إلى واسطة مبلغ ، وليس المراد سمعه المعتاد ، وقد كان له صلى الله عليه وسلم في الدنيا حالة يسمع فيها سمعا خارقا للعادة بحيث كان يسمع أطيط السماء كما بينت ذلك في كتاب المعجزات ، وهذا قد ينفك في بعض الأوقات ويعود لا مانع منه ، وحالته صلى الله عليه وسلم في البرزخ كحالته في الدنيا سواء .

            وقد يخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد سمعه المعتاد ، ويكون المراد برده إفاقته من الاستغراق الملكوتي ، وما هو فيه من المشاهدة فيرده الله تلك الساعة إلى خطاب من سلم عليه في الدنيا ، فإذا فرغ من الرد عليه عاد إلى ما كان فيه ، ويخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد برد الروح : التفرغ من الشغل وفراغ البال مما هو بصدده في البرزخ من النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيئات ، والدعاء بكشف البلاء [ ص: 185 ] عنهم ، والتردد في أقطار الأرض لحلول البركة فيها ، وحضور جنازة من مات من صالح أمته ، فإن هذه الأمور من جملة أشغاله في البرزخ كما وردت بذلك الأحاديث والآثار ، فلما كان السلام عليه من أفضل الأعمال وأجل القربات اختص المسلم عليه بأن يفرغ له من أشغاله المهمة لحظة يرد عليه فيها تشريفا له ومجازاة ، فهذه عشرة أجوبة كلها من استنباطي ، وقد قال الجاحظ : إذا نكح الفكر الحفظ ولد العجائب ، ثم ظهر لي جواب حادي عشر وهو أنه ليس المراد بالروح روح الحياة ، بل الارتياح كما في قوله تعالى : ( فروح وريحان ) فإنه قرئ فروح - بضم الراء - والمراد أنه صلى الله عليه وسلم يحصل له بسلام المسلم عليه ارتياح وفرح وهشاشة لحبه ذلك ، فيحمله ذلك على أن يرد عليه ، ثم ظهر لي جواب ثاني عشر وهو : أن المراد بالروح الرحمة الحادثة من ثواب الصلاة ، قال ابن الأثير في النهاية : تكرر ذكر الروح في الحديث كما تكرر في القرآن ووردت فيه على معان ، والغالب منها أن المراد بالروح الذي يقوم به الجسد ، وقد أطلق على القرآن والوحي والرحمة وعلى جبريل ، انتهى .

            وأخرج ابن المنذر في تفسيره عن الحسن البصري أنه قرأ قوله تعالى : ( فروح وريحان ) بالضم ، وقال : الروح الرحمة ، وقد تقدم في حديث أنس أن الصلاة تدخل عليه صلى الله عليه وسلم في قبره كما يدخل عليكم بالهدايا ، والمراد ثواب الصلاة ، وذلك رحمة الله وإنعاماته ، ثم ظهر لي جواب ثالث عشر وهو : أن المراد بالروح الملك الذي وكل بقبره صلى الله عليه وسلم يبلغه السلام ، والروح يطلق على غير جبريل أيضا من الملائكة ، قال الراغب : أشراف الملائكة تسمى أرواحا ، انتهى . ومعنى " رد الله إلي روحي " أي : بعث إلي الملك الموكل بتبليغي السلام ، هذا غاية ما ظهر والله أعلم .

            تنبيه : وقع في كلام الشيخ تاج الدين أمران يحتاجان إلى التنبيه عليهما ، أحدهما : أنه عزا الحديث إلى الترمذي ، وهو غلط ، فلم يخرجه من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود فقط كما ذكره الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف ، الثاني : أنه أورد الحديث بلفظ " رد الله علي " وهو كذلك في سنن أبي داود ، ولفظ رواية البيهقي رد الله إلي [ روحي ] وهي ألطف وأنسب ، فإن بين التعديتين فرقا لطيفا ، فإن " رد " يتعدى بعلى في الإهانة ، وبإلى في الإكرام ، قال في الصحاح : رد عليه الشيء إذا لم يقبله ، وكذلك إذا خطأه ، ويقول رده [ ص: 186 ] إلى منزله ورد إليه جوابا أي : رجع ، وقال الراغب : من الأول قوله تعالى : ( يردوكم على أعقابكم ) ، ( ردوها علي ) ، ( ونرد على أعقابنا ) ومن الثاني : ( فرددناه إلى أمه ) ، ( ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) ، ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ) ، ( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) .

            فصل : قال الراغب : من معاني الرد التفويض ، يقال : رددت الحكم في كذا إلى فلان أي : فوضته إليه ، قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ) انتهى ، ويخرج من هذا جواب رابع عشر عن الحديث وهو : أن المراد فوض الله إلي رد السلام عليه ، على أن المراد بالروح الرحمة ، والصلاة من الله الرحمة ، فكان المسلم بسلامه تعرض لطلب صلاة من الله تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ، والصلاة من الله الرحمة ، ففوض الله أمر هذه الرحمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو بها للمسلم فتحصل إجابته قطعا ، فتكون الرحمة الحاصلة للمسلم إنما هي ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له وسلامه عليه ، وينزل ذلك منزلة الشفاعة في قبول سلام المسلم والإثابة عليه ، وتكون الإضافة في روحي لمجرد الملابسة ، ونظيره قوله في حديث الشفاعة : فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ينتهي إلى محمد ، وفي حديث الإسراء : لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال : لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى موسى فقال : لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى .

            والحاصل أن معنى الحديث على هذا الوجه : إلا فوض الله إلي أمر الرحمة التي تحصل للمسلم بسببي ، فأتولى الدعاء بها بنفسي بأن أنطق بلفظ السلام على وجه الرد عليه في مقابلة سلامه والدعاء له ، ثم ظهر لي جواب خامس عشر وهو : أن المراد بالروح الرحمة التي في قلب النبي صلى الله عليه وسلم على أمته والرأفة التي جبل عليها ، وقد يغضب في بعض [ ص: 187 ] الأحيان على من عظمت ذنوبه أو انتهك محارم الله ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لمغفرة الذنوب كما في حديث : إذن تكفى همك ويغفر ذنبك فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه ما من أحد يسلم عليه وإن بلغت ذنوبه ما بلغت إلا رجعت إليه الرحمة التي جبل عليها حتى يرد عليه السلام بنفسه ، ولا يمنعه من الرد عليه ما كان منه قبل ذلك من ذنب ، وهذه فائدة نفيسة وبشرى عظيمة ، وتكون هذه فائدة زيادة من الاستغراقية في أحد المنفي الذي هو ظاهر في الاستغراق قبل زيادتها ، نص فيه بعد زيادتها بحيث انتفى بسببها أن يكون من العام المراد به الخصوص .

            هذا آخر ما فتح الله به الآن من الأجوبة وإن فتح بعد ذلك بزيادة ألحقناها ، والله الموفق بمنه وكرمه ، ثم بعد ذلك رأيت الحديث المسئول عنه مخرجا في كتاب حياة الأنبياء للبيهقي بلفظ : إلا وقد رد الله علي روحي فصرح فيه بلفظ : " وقد " ، فحمدت الله كثيرا وقوي أن رواية إسقاطها محمولة على إضمارها ، وأن حذفها من تصرف الرواة وهو الأمر الذي جنحت إليه في الوجه الثاني من الأجوبة ، وقد عدت الآن إلى ترجيحه لوجود هذه الرواية فهو أقوى الأجوبة ، ومراد الحديث عليه الإخبار بأن الله يرد إليه روحه بعد الموت فيصير حيا على الدوام ، حتى لو سلم عليه أحد رد عليه سلامه لوجود الحياة فيه ، فصار الحديث موافقا للأحاديث الواردة في حياته في قبره ، وواحدا من جملتها لا منافيا لها البتة بوجه من الوجوه ، ولله الحمد والمنة ، وقد قال بعض الحفاظ : لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه ; وذلك لأن الطرق يزيد بعضها على بعض تارة في ألفاظ المتن ، وتارة في الإسناد ، فيستبين بالطريق المزيد ما خفي في الطريق الناقصة والله تعالى أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية