الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6308 ) مسألة : قال : ( فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة ، أبيحت للأزواج ) حكى أبو عبد الله بن حامد ، في هذه المسألة روايتين : إحداهما ، أنها في العدة ما لم تغتسل ، فيباح لزوجها ارتجاعها ، ولا يحل لغيره نكاحها . قال أحمد عمر وعلي وابن مسعود يقولون : قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة . وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والثوري وإسحاق . وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم قال شريك له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة . قال أبو بكر وروي عن أبي عبد الله أنها في عدتها ، ولزوجها رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها . وهذا قول الثوري وبه قال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لدون أكثر الحيض .

                                                                                                                                            فإن انقطع لأكثره ، انقضت العدة بانقطاعه . [ ص: 84 ] ووجه اعتبار الغسل قول الأكابر من الصحابة ، ولا مخالف لهم في عصرهم ، فيكون إجماعا . ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض ، فأشبهت الحائض ، والرواية الثانية أن العدة تنقضي بطهرها من الحيضة الثالثة وانقطاع دمها . اختاره أبو الخطاب وهو قول سعيد بن جبير والأوزاعي والشافعي في القديم لأن الله تعالى قال : { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } . وقد كملت القروء ، بدليل وجوب الغسل عليها ، ووجوب الصلاة ، وفعل الصيام ، وصحته منها ، ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث ، ووقوع الطلاق بها ، واللعان ، والنفقة ، فكذلك فيما نحن فيه .

                                                                                                                                            قال القاضي : إذا شرطنا الغسل ، أفاد عدمه إباحة الرجعة وتحريمها على الأزواج ، فأما سائر الأحكام ، فإنها تنقطع بانقطاع دمها . فصل : ( 6309 ) وإن قلنا : القروء الأطهار . فطلقها وهي طاهر ، انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة ، وإن طلقها حائضا ، انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الرابعة . وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبان بن عثمان ومالك ، وأبي ثور . وهو ظاهر مذهب الشافعي . وحكي عنه قول آخر ، لا تنقضي العدة حتى يمضي من الدم يوم وليلة ; لجواز أن يكون الدم دم فساد ، فلا نحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال . وحكى القاضي هذا احتمالا في مذهبنا أيضا .

                                                                                                                                            ولنا أن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء ، فالزيادة عليها مخالفة للنص ، فلا يعول عليه ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، رواه الأثرم عنهم بإسناده ، ولفظ حديث زيد بن ثابت { إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه ، وبرئ منها ، ولا ترثه ولا يرثها . } وقولهم : إن الدم يجوز أن يكون دم فساد . قلنا : قد حكم بكونه حيضا في ترك الصلاة ، وتحريمها على الزوج ، وسائر أحكام الحيض ، فكذلك في انقضاء العدة . ثم إن كان التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال ، فإذا تبين أنه حيض ، علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم ، كما لو قال لها : إن حضت فأنت طالق . اختلف القائلون بهذا القول ، فمنهم من قال : اليوم والليلة من العدة ; لأنه دم تكمل به العدة ، فكان منها ، كالذي في أثناء الأطهار .

                                                                                                                                            ومنهم من قال : ليس منها ، إنما يتبين به انقضاؤها ، ولأننا لو جعلناه منها ، أوجبنا الزيادة على ثلاثة قروء ، ولكنا نمنعها من النكاح حتى يمضي يوم وليلة ، ولو راجعها زوجها فيها ، لم تصح الرجعة . وهذا أصح الوجهين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية