قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=30175_30180_31037_31791_32026_34088_34092_34209_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون nindex.php?page=treesubj&link=19605_31807_31808_32065_32688_34263_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين
هذا أمر في أن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه، وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بصفة من كان بها فهو حري ألا يعلم غيبا ولا يدعيه، فأخبر أنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله له وشاء ويسر، وهذا الاستثناء منقطع، وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي ولاستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له، وهذا لفظ عام في كل شيء، وقد خصص الناس هذا فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد : لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل
[ ص: 107 ] الصالح. وقالت فرقة: أوقات النصر لتوخيتها، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188ولو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وألفاظ الآية تعم هذا وغيره.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188وما مسني يحتمل وجهين وبكليهما قيل; أحدهما: أن "ما" معطوفة على قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لاستكثرت أي: ولما مسني السوء. والثاني: أن يكون الكلام مقطوعا تم في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لاستكثرت من الخير وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به. قال
المؤرج السدوسي :السوء: الجنون بلغة هذيل، ثم أخبر بجملة ما هو عليه من النذارة والبشارة. و
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لقوم يؤمنون يحتمل معنيين: أحدهما: أن يريد أنه نذير وبشير لقوم يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه وهؤلاء الناس أجمع، والثاني: أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام، ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به، ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة الآية.
قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة
آدم عليه السلام، وبقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189وجعل منها زوجها حواء، وقوله: "منها" يريد ما تقدم ذكره من أن
آدم نام فاستخرجت قصرى أضلاعه وخلقت منها
حواء، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189ليسكن إليها أي: ليأنس ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة.
ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطها، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فلما تغشاها أي غشيها وهي كناية عن الجماع، والحمل الخفيف هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها، وقرأ جمهور الناس: "حملا" بفتح الحاء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : "حملا" بكسر الحاء، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فمرت به أي استمرت به، قال
[ ص: 108 ] أيوب: سألت
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن عن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فمرت به فقال: لو كنت امرأ عربيا لعرفت ما هي، إنما المعنى: فاستمرت به.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقدره قوم على القلب كأن المراد: فاستمر بها، كما تقول: أدخلت القلنسوة في رأسي، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهما -فيما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15426النقاش -: "فمرت به" بتخفيف الراء، ومعناه: فشكت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض ونحو هذا، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "فاستمرت به" ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : "فاستمرت بحملها" ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص : "فمارت به" ومعناه: أي جاءت به وذهبت وتصرفت، كما تقول: مارت الريح مورا، و"أثقلت" دخلت في الثقل، كما تقول: أصبح وأمسى، أي: صارت ذات ثقل، كما تقول: أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن، والضمير في "دعوا" يعود على
آدم وحواء.
وروي في قصص هذه الآية أن
حواء لما حملت أول حمل لم تدر ما هو، وهذا يقوي قراءة من قرأ "فمرت به" بتخفيف الراء فجزعت لذلك فوجد إبليس إليها السبيل، فقال لها: ما يدريك ما في جوفك؟ ولعله خنزير أو حية أو بهيمة في الجملة، وما يدريك من أين يخرج؟ أينشق له بطنك فتموتين أو من فمك أو من أنفك؟ ولكن إن أطعتني وسميته عبد الحارث .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
"والحارث اسم إبليس"، فسأخلصه لك وأجعله بشرا مثلك، وإن أنت لم تفعلي قتلته لك، قال: فأخبرت
حواء آدم، فقال لها: ذلك صاحبنا الذي أغوانا في الجنة، لا نطيعه، فلما ولدت سمياه
عبد الله ، فمات الغلام، ويروى أن الله سلط إبليس على قتله، فحملت بآخر ففعل بها مثل ذلك، فحملت بالثالث، فلما ولدته أطاعا إبليس فسمياه عبد الحارث حرصا على حياته، فهذا هو الشرك الذي جعلا لله، أي في التسمية فقط.
[ ص: 109 ] و"صالحا" قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: معناه: غلاما، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما -وهو الأظهر-: بشرا سويا سليما، ونصبه على المفعول الثاني، وفي "المشكل"
لمكي أنه نعت لمصدر أي: أتيا صالحا، وقال قوم: إن المعنى في هذه الآية التبيين عن حال الكافرين، فعدد النعم التي تعم الكافرين وغيرهم من الناس، ثم قرر ذلك بفعل المشركين السيئ فقامت عليهم الحجة ووجب العقاب، وذلك أنه قال مخاطبا لجميع الناس:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها يريد
آدم وحواء، أي: واستمرت حالكم واحدا كذلك، فهذه نعمة تخص كل أحد بجزء منها، ثم جاء قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فلما تغشاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا، أي هكذا يفعلون، فإذا آتاهم الله الولد صالحا سليما كما أراده، صرفاه عن الفطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين الذي قامت الحجة فيه باقترانه مع النعمة العامة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن -فيما حكى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري -: معنى الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة إشارة إلى الروح الذي ينفخ في كل أحد.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
أي: خلقكم من جنس واحد وجعل الإناث منه، ثم جاء قوله تبارك وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فلما تغشاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا على ما تقدم من الترتيب في القول الذي قبله.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=30175_30180_31037_31791_32026_34088_34092_34209_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19605_31807_31808_32065_32688_34263_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ
هَذَا أَمْرٌ فِي أَنْ يُبَالِغَ فِي الِاسْتِسْلَامِ وَيَتَجَرَّدَ مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَغَيْبِهِ، وَأَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ لِهَؤُلَاءِ السَّائِلِينَ بِصِفَةِ مَنْ كَانَ بِهَا فَهُوَ حَرِيٌّ أَلَّا يَعْلَمَ غَيْبًا وَلَا يَدَّعِيَهُ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْ مَنَافِعِ نَفْسِهِ وَمَضَارِّهَا إِلَّا مَا سَنَّى اللَّهُ لَهُ وَشَاءَ وَيَسَّرَ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ لَعَمِلَ بِحَسَبِ مَا يَأْتِي وَلَاسْتَعَدَّ لِكُلِّ شَيْءٍ اسْتِعْدَادَ مَنْ يَعْلَمُ قَدَرَ مَا يَسْتَعِدُّ لَهُ، وَهَذَا لَفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ خَصَّصَ النَّاسُ هَذَا فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ : لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَجْلِي لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْعَمَلِ
[ ص: 107 ] الصَّالِحِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: أَوْقَاتُ النَّصْرِ لَتَوَخِيَتِهَا، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ السَّنَةَ الْمُجْدِبَةَ لَأَعْدَدْتُ لَهَا مِنَ الْمُخْصِبَةِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَأَلْفَاظُ الْآيَةِ تَعُمُّ هَذَا وَغَيْرَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188وَمَا مَسَّنِيَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَبِكِلَيْهِمَا قِيلَ; أَحَدُهُمَا: أَنَّ "مَا" مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لاسْتَكْثَرْتُ أَيْ: وَلَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَقْطُوعًا تَمَّ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَابْتَدَأَ يُخْبِرُ بِنَفْيِ السُّوءِ عَنْهُ وَهُوَ الْجُنُونُ الَّذِي رَمَوْهُ بِهِ. قَالَ
الْمُؤَرِّجُ السَّدُوسِيُّ :السُّوءُ: الْجُنُونُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِجُمْلَةِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ النِّذَارَةِ وَالْبِشَارَةِ. وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ وَيُدْعَوْنَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ أَجْمَعُ، وَالثَّانِي: أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ نَذِيرٌ وَيَتِمَّ الْكَلَامُ، ثُمَّ يَبْتَدِئَ يُخْبِرُ أَنَّهُ بَشِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فَفِي هَذَا وَعْدٌ لِمَنْ حَصَلَ إِيمَانُهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ الْآيَةُ.
قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ
آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا حَوَّاءُ، وَقَوْلُهُ: "مِنْهَا" يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ
آدَمَ نَامَ فَاسْتُخْرِجَتْ قُصْرَى أَضْلَاعِهِ وَخُلِقَتْ مِنْهَا
حَوَّاءُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا أَيْ: لِيَأْنَسَ وَيَطْمَئِنَّ، وَكَانَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْجَنَّةِ.
ثُمَّ ابْتَدَأَ بِحَالَةٍ أُخْرَى هِيَ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ هُبُوطِهَا، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَلَمَّا تَغَشَّاهَا أَيْ غَشِيَهَا وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ، وَالْحَمْلُ الْخَفِيفُ هُوَ الْمَنِيُّ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي فَرْجِهَا، وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ: "حَمْلًا" بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنِ كَثِيرٍ : "حِمْلًا" بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَمَرَّتْ بِهِ أَيِ اسْتَمَرَّتْ بِهِ، قَالَ
[ ص: 108 ] أَيُّوبُ: سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَمَرَّتْ بِهِ فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ امْرَأً عَرَبِيًّا لَعَرَفْتَ مَا هِيَ، إِنَّمَا الْمَعْنَى: فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَقَدَّرَهُ قَوْمٌ عَلَى الْقَلْبِ كَأَنَّ الْمُرَادَ: فَاسْتَمَرَّ بِهَا، كَمَا تَقُولُ: أَدْخَلْتُ الْقَلَنْسُوَةَ فِي رَأْسِي، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -فِيمَا ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15426النَّقَّاشُ -: "فَمَرَتْ بِهِ" بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ: فَشَكَّتْ فِيمَا أَصَابَهَا هَلْ هُوَ حَمْلٌ أَوْ مَرَضٌ وَنَحْوُ هَذَا، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : "فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ" ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : "فَاسْتَمَرَّتْ بِحَمْلِهَا" ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : "فَمَارَتْ بِهِ" وَمَعْنَاهُ: أَيْ جَاءَتْ بِهِ وَذَهَبَتْ وَتَصَرَّفَتْ، كَمَا تَقُولُ: مَارَتِ الرِّيحُ مَوْرًا، وَ"أَثْقَلَتْ" دَخَلَتْ فِي الثِّقْلِ، كَمَا تَقُولُ: أَصْبَحَ وَأَمْسَى، أَيْ: صَارَتْ ذَاتَ ثِقْلٍ، كَمَا تَقُولُ: أَتْمَرَ الرَّجُلُ وَأَلْبَنَ إِذَا صَارَ ذَا تَمْرٍ وَلَبَنٍ، وَالضَّمِيرُ فِي "دَعَوَا" يَعُودُ عَلَى
آدَمَ وَحَوَّاءَ.
وَرُوِيَ فِي قَصَصِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ
حَوَّاءَ لَمَّا حَمَلَتْ أَوَّلَ حَمْلٍ لَمْ تَدْرِ مَا هُوَ، وَهَذَا يُقَوِّي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ "فَمَرَتْ بِهِ" بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ فَجَزِعَتْ لِذَلِكَ فَوَجَدَ إِبْلِيسُ إِلَيْهَا السَّبِيلَ، فَقَالَ لَهَا: مَا يُدْرِيكِ مَا فِي جَوْفِكِ؟ وَلَعَلَّهُ خِنْزِيرٌ أَوْ حَيَّةٌ أَوْ بَهِيمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَا يُدْرِيكِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ؟ أَيَنْشَقُّ لَهُ بَطْنُكِ فَتَمُوتِينَ أَوْ مِنْ فَمِكِ أَوْ مِنْ أَنْفِكِ؟ وَلَكِنْ إِنْ أَطَعْتِنِي وَسَمَّيْتِهِ عَبْدَ الْحَارِثِ .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
"وَالْحَارِثُ اسْمُ إِبْلِيسَ"، فَسَأُخَلِّصُهُ لَكِ وَأَجْعَلُهُ بَشَرًا مِثْلَكِ، وَإِنْ أَنْتِ لَمْ تَفْعَلِي قَتَلْتُهُ لَكِ، قَالَ: فَأَخْبَرَتْ
حَوَّاءُ آدَمَ، فَقَالَ لَهَا: ذَلِكَ صَاحِبُنَا الَّذِي أَغْوَانَا فِي الْجَنَّةِ، لَا نُطِيعُهُ، فَلَمَّا وَلَدَتْ سَمَّيَاهُ
عَبْدَ اللَّهِ ، فَمَاتَ الْغُلَامُ، وَيُرْوَى أَنَّ اللَّهَ سَلَّطَ إِبْلِيسَ عَلَى قَتْلِهِ، فَحَمَلَتْ بِآخَرَ فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَحَمَلَتْ بِالثَّالِثِ، فَلَمَّا وَلَدَتْهُ أَطَاعَا إِبْلِيسَ فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ حِرْصًا عَلَى حَيَاتِهِ، فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي جَعَلَا لِلَّهِ، أَيْ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ.
[ ص: 109 ] وَ"صَالِحًا" قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ: غُلَامًا، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -وَهُوَ الْأَظْهَرُ-: بَشَرًا سَوِيًّا سَلِيمًا، وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَفِي "الْمُشْكِلِ"
لِمَكِّيٍّ أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ أَيْ: أَتْيًا صَالِحًا، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّبْيِينُ عَنْ حَالِ الْكَافِرِينَ، فَعَدَّدَ النِّعَمَ الَّتِي تَعُمُّ الْكَافِرِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ قَرَّرَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُشْرِكِينَ السَّيِّئِ فَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَوَجَبَ الْعِقَابُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مُخَاطِبًا لِجَمِيعِ النَّاسِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا يُرِيدُ
آدَمَ وَحَوَّاءَ، أَيْ: وَاسْتَمَرَّتْ حَالُكُمْ وَاحِدًا كَذَلِكَ، فَهَذِهِ نِعْمَةٌ تَخُصُّ كُلَّ أَحَدٍ بِجُزْءٍ مِنْهَا، ثُمَّ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَلَمَّا تَغَشَّاهَا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَصْفًا لِحَالِ النَّاسِ وَاحِدًا وَاحِدًا، أَيْ هَكَذَا يَفْعَلُونَ، فَإِذَا آتَاهُمُ اللَّهُ الْوَلَدَ صَالِحًا سَلِيمًا كَمَا أَرَادَهُ، صَرَفَاهُ عَنِ الْفِطْرَةِ إِلَى الشِّرْكِ، فَهَذَا فِعْلُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي قَامَتِ الْحُجَّةُ فِيهِ بِاقْتِرَانِهِ مَعَ النِّعْمَةِ الْعَامَّةِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ -فِيمَا حَكَى عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ -: مَعْنَى الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِشَارَةٌ إِلَى الرُّوحِ الَّذِي يُنْفَخُ فِي كُلِّ أَحَدٍ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَيْ: خَلَقَكُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَجَعَلَ الْإِنَاثَ مِنْهُ، ثُمَّ جَاءَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَلَمَّا تَغَشَّاهَا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَصْفًا لِحَالِ النَّاسِ وَاحِدًا وَاحِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْتِيبِ فِي الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ.