الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1412 ( قال أبو عبد الله: هذا تفسير الأول; لأنه لم يوقت في الأول - يعني: حديث ابن عمر - وفيما سقت السماء العشر، وبين في هذا ووقت، والزيادة مقبولة، والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت، كما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة. وقال بلال: قد صلى، فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل)

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا كله وقع في رواية أبي ذر هاهنا عقيب حديث ابن عمر المذكور، وفي نسخة الفربري وقع في الباب الذي بعد هذا الباب بعد حديث أبي سعيد، وكذا وقع عند الإسماعيلي، وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقيب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب.

                                                                                                                                                                                  (قلت): وكذا قال التيمي، ونسبه إلى غلط من الكاتب، ولا احتياج إلى هذه المشاححة، ولكل ذلك وجه لا يخفى، ولكن رجح بعضهم كونه بعد حديث أبي سعيد؛ لأنه هو المفسر لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ولا حاجة إلى هذا الترجيح أيضا؛ لأنا نمنع الإجمال والتفسير هاهنا، وقد ذكرناه عن قريب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال أبو عبد الله" هو البخاري نفسه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هذا تفسير الأول" أشار بهذا إلى حديث أبي سعيد الذي يأتي، وأراد بالأول حديث ابن عمر فهذا يدل على أن هذا الكلام من البخاري إنما كان بعد حديث أبي سعيد، وهو ظاهر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لأنه لم يوقت في الأول" أي: لم يعين شيئا في حديث ابن عمر وهو قوله: "فيما سقت السماء العشر".

                                                                                                                                                                                  قوله: "وبين في هذا" أي في حديث أبي سعيد، ووقت أي عين، وهو قوله: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" وقد عين فيه بأن النصاب خمسة أوسق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والزيادة" يعني: تعيين النصاب مقبولة - يعني: من الثقة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والمفسر" بفتح السين يعني: المبين -وهو الخاص- يقضي -أي: يحكم- على المبهم - أي: العام - وسمى البخاري الخاص بحسب تصرفه مفسرا لوضوح المراد منه، وسمى العام مبهما لاحتمال إرادة الكل والبعض منه، وغرضه أن حديث ابن عمر عام للنصاب ودونه، وحديث أبي سعيد وهو "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" خاص بقدر النصاب، والخاص والعام إذا تعارضا يخصص الخاص العام، وهو معنى القضاء عليه، وهذا حاصل ما قاله البخاري.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قد ذكرنا عن قريب أن إجراء العام على عمومه أولى من التخصيص، فارجع إليه.

                                                                                                                                                                                  والتحقيق في هذا المقام أنه إذا ورد حديثان أحدهما عام والآخر خاص، فإن علم تقديم العام على الخاص خص العام بالخاص، كمن يقول لعبده: لا تعط لأحد شيئا، ثم قال له: أعط زيدا درهما.

                                                                                                                                                                                  وإن علم تقديم الخاص على العام ينسخ العام للخاص، كمن يقول لعبده: أعط زيدا درهما، ثم قال له: لا تعط أحدا شيئا، فإن هذا ناسخ للأول، هذا مذهب عيسى بن أبان وهو المأخوذ به، وإذا لم يعلم فإن العام يجعل آخرا لما فيه من الاحتياط، وهنا لم يعلم التاريخ، فيجعل العام آخرا؛ احتياطا، والنبي صلى الله عليه وسلم نفى الصدقة ولم ينف العشر، وقد كان في المال صدقات نسختها آية الزكاة، والعشر ليس بصدقة مطلقة؛ إذ فيه معنى المؤنة حتى وجب في أرض الوقف، ولا تجب الزكاة في الوقف.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: مذهب الحنفي أن الخاص المتقدم منسوخ بالعام المتأخر، ولعله ضبط التاريخ، وعلم تقدم حديث أبي سعيد، فلهذا لا يشترط النصاب فيه.

                                                                                                                                                                                  (قلت): فيلزم عليه أن يقول بمثله في الورق إذ مر في باب زكاة الغنم "في الرقة ربع العشر" انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا يلزمه ذلك؛ لأنه لم يدع ضبط [ ص: 76 ] التاريخ، ولا تقدم حديث أبي سعيد، وإنما الأصل عنده التوقف إذا جهل التاريخ، والرجوع إلى غيرهما، أو يرجح أحدهما بدليل، ومن جملة ترجيح العام هنا هو أنه إذا خص لزم إخراج بعض ما تناوله أن يكون مرادا، ومنها الاحتياط في جعله آخرا كما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: ناقض أبو حنيفة؛ حيث استعمل المجمل والمفسر في مسألة الرقة ولم يستعمل في هذه المسألة، كما أنه أوجب الزكاة في العسل وليس فيه خبر ولا إجماع.

                                                                                                                                                                                  (قلت): كيف يستعمل المجمل والمفسر في هذه المسألة وهو غير قائل به هنا؛ لعدم الإجمال فيه؟ ومن أين الإجمال ودلالته ظاهرة؛ لأن دلالته على إفراده كدلالة الخاص على فرد واحد، فلا يحتاج إلى التفسير، ولفظ الصدقة في الزكاة أظهر من العشر فصرفه إليها أولى، ولا كذلك صدقة الرقة، ولم يفهم ابن بطال الفرق بينهما. وكيف يقول ابن بطال: "كما أنه أوجب الزكاة وليس فيه خبر"؟! وقد ذكرنا عن الترمذي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم "في العسل في كل عشرة أزق زق" وذكرنا فيما مضى عن قريب جملة أحاديث تدل على الوجوب.

                                                                                                                                                                                  وقوله: "ولا إجماع" كلام واه؛ لأن المجتهد لا يرى بالوجوب في شيء إلا إذا كان فيه إجماع، وهذا لم يقل به أحد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أهل الثبت" بتحريك الباء الموحدة أي: أهل الثبات.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كما روى الفضل بن عباس" أي: ابن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي ذكره صورة اجتماع النفي والإثبات؛ لأن الفضل ينفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الكعبة لما حج عام الفتح، وبلال يثبت ذلك، فأخذ بقول بلال؛ لكونه يثبت أمرا، وترك قول الفضل لأنه ينفيه، والأصل في ذلك أن النفي متى عرف بدليله يعارض المثبت وإلا فلا، وهاهنا لم يعرف النفي بدليل، فقدم عليه الإثبات.

                                                                                                                                                                                  وذكر بعض أصحابنا هذه الصورة بخلاف ما قاله البخاري، وهي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة، ورجحنا روايته على رواية بلال أنه لم يصل في جوف الكعبة عام الفتح في تلك الأيام.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية