الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في بيان صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، والمراد من الصلاة الدعاء؛ لأن معناها اللغوي ذلك، وإنما عطف لفظ الدعاء على الصلاة؛ لئلا يفهم أن الدعاء بلفظ الصلاة متعين، بل إذا دعي بلفظ يؤدي معنى الثناء والخير فإنه يكفي، مثل أن يقول: آجرك فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، أو يقول: اللهم اغفر له وتقبل منه، ونحو ذلك. والدليل عليه ما رواه النسائي من حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة: اللهم بارك فيه وفي إبله، قيل: إنما ذكر لفظ الإمام في الترجمة؛ ردا لشبهة أهل الردة في قولهم لأبي بكر الصديق: إنما قال الله عز وجل لرسوله: وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وادعوا خصوصية ذلك بالرسول، فأراد أن كل إمام داخل فيه، ولهذا ذكر هذه الآية الكريمة؛ حيث قال فيه: "وقوله" بالجر عطف على ما قبله من المجرور أعني: لفظ الصلاة والدعاء.

                                                                                                                                                                                  أمر الله تعالى رسوله أن يأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وأمره أن يصلي عليهم بقوله: وصل عليهم أي: ادع لهم، واستغفر لهم، كما يأتي في حديث الباب "عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بصدقة قوم صلى عليهم، فأتاه أبي بصدقة فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى" وفي حديث آخر: "إن امرأة قالت: يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك".

                                                                                                                                                                                  قوله: إن صلاتك سكن لهم قال ابن عباس: أي: سكن لهم.

                                                                                                                                                                                  وقال قتادة: وقار، وقرئ "إن صلواتك" على الجمع.

                                                                                                                                                                                  قوله: والله سميع عليم أي: سميع لدعائك عليم من يستحق ذلك منك ومن هو أهل له.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال معناه: صل عليهم إذا ماتوا صلاة الجنازة؛ لأنها في الشريعة محمولة على الصلاة -أي: العبادة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم - أو أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم ينقل أحد أنه أمر السعاة بذلك، ولو كان واجبا لأمرهم به ولعلمهم كيفيته، وبالقياس على استيفاء سائر الحقوق؛ إذ لا يجب الدعاء فيه. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لم ينحصر معنى قوله تعالى: وصل عليهم على ما ذكره ابن بطال من الصلاة على الجنازة بل جمهور المفسرين فسروا قوله: وصل عليهم مثل ما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  وعن هذا قال الخطابي: أصل الصلاة في اللغة الدعاء إلا أن الدعاء يختلف بحسب المدعو له، فصلاته عليه السلام لأمته دعاء لهم بالمغفرة، وصلاة الأمة له دعاء له بزيادة القربة والزلفة، وبظاهر الآية أخذ أهل الظاهر وقالوا: الدعاء واجب، وخالفهم جميع العلماء وقالوا: إنه مستحب؛ لأنها تقع الموقع وإن لم يدع، ولو كان واجبا لأمر السعاة به كما ذكرنا.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية