الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وإذا طلق الرجل امرأته فجاءت بولدين ، فهذه المسألة على أوجه إما أن يكون الطلاق رجعيا أو بائنا ، وكل وجه على ثلاثة أوجه إما أن يأتي بالولدين لأقل من سنتين أو يأتي بهما لأكثر من سنتين أو يأتي بأحدهما لأقل من سنتين بيوم ، ولم يقر بانقضاء العدة فبقي أحدهما حين ولدته ، ثم ولدت الثاني وهما ابناه ، ولا حد عليه ، ولا لعان ; لأنه حين نفى المولود منهما كان النكاح بينهما [ ص: 160 ] قائما فوجب اللعان بينهما فحين ، وضعت الولد الآخر فقد انقضت عدتها بوضع جميع ما في بطنها ، ولا يتأتى جريان اللعان فيما بينهما بعد ما صارت أجنبية .

والقذف الموجب للعان لا يكون موجبا للحد فلهذا ثبت نسب الولدين منه ، وإن جاءت بينهما لأكثر من سنتين فنفاهما يجري اللعان بينهما ، ويقطع نسب الولدين عنده ; لأنا تيقنا أن علوق الولدين من علوق حادث بعد الطلاق فصار مراجعا لها ، ولا تنقضي العدة بوضع الولدين فإذا نفى ، وهي منكوحته جرى اللعان بينهما فإن ( قيل ) لما حكمنا بالرجعة فقد حكمنا بثبوت نسب الولدين منه فكيف يمكن قطع النسب باللعان بعد ذلك .

( قلنا ) : ليس من ضرورة الحكم بالرجعة الحكم بكون الولد منه فالرجعة تثبت بمجرد العين عن شهوة بدون الوطء والإعلاق ، وإن كان نفى الولد منهما ، ثم أقر بالثاني فهما ابناه وعليه الحد ; لأنهما توأم فإقراره بأحدهما كإقراره بهما ، وهذا منه إكذاب لنفسه بعد التفرق فعليه الحد ، وإن جاءت بأحد الولدين لأقل من سنتين وبالآخر لأكثر من سنتين فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هذا ، والفصل الأول سواء ، وعلى قول محمد رحمه الله هذا والفصل الثاني سواء .

وجه قوله إنا تيقنا بأن الولد الثاني من علوق حادث بعد الطلاق ; لأن الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ، وشككنا في الولد الأول فيحتمل أن يكون العلوق به بعد الطلاق أيضا ، ويحتمل أن يكون العلوق به قبل الطلاق فاتبع الشك لا التيقن فإن المتيقن به يجعل أصلا ويرد المشكوك إليه وهما قالا : لما ولدت الأول لأقل من سنتين فقد حكمنا بأنه من علوق قبل الطلاق .

( ألا ترى ) أنها لو لم تلد غيره كان محكوما بأن العلوق به كان قبل الطلاق فلا يتغير ذلك الحكم بتأخير الولادة الثانية ، ولكن يجعل السابق منهما أصلا ، ويجعل كأنها وضعتهما قبل السنتين ; لأن الولد إنما لا يبقى في البطن أكثر من سنتين إذا لم يكن هناك من يزاحمه في الخروج فأما عند وجود المزاحم قد يتأخر خروجه عن أوانه فلا يكون ذلك دليلا على أن العلوق به كان بعد الطلاق فلهذا جعلنا السابق أصلا ، وإذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا فإن جاءت بهما لأقل من سنتين فعليه الحد بالنفي فهما ابناه ; لأنه حين قذفها فلا نكاح بينهما فيلزمه الحد .

وقد جاءت بالولدين لمدة يتوهم أن يكون العلوق بهما سابقا على الطلاق فيثبت نسبهما منه ، وإن جاءت بهما لأكثر من سنتين لم يثبت نسبهما منه ; لأنهما من علوق حادث بعد الفرقة ، وإن نفاهما فلا حد عليه ، ولا لعان ; لأنه صادق في مقالته ، وإن جاءت بأحدهما لأقل من سنتين بيوم وبالآخر لأكثر من سنتين بيوم فعند أبي حنيفة [ ص: 161 ] وأبي يوسف رحمهما الله هذا والفصل الأول سواء ، وعند محمد رحمه الله هذا ، والفصل الثاني سواء على ما بينا .

قال : وإذا طلقها واحدة بائنة بعد ما دخل بها ، ثم تزوجها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فنفاه لاعنها لقيام النكاح بينهما في الحال ، ويلزم الولد أباه لأنا تيقنا أن العلوق به سبق النكاح الثاني فكان حاصلا في النكاح الأول وبالفرقة بعده تقرر النسب على وجه لا ينتفي بحال ، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها النكاح الثاني لاعن ولزم الولد أمه ; لأن الحل قائم فيستند العلوق إلى أقرب الأوقات ، وهو ما بعد النكاح الثاني فإذا نفاه يقطع النسب عنه باللعان ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية