الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت ) إن كان عالما عمدا بطلت الصلاة ، وإن كان ساهيا بغير السلام ، فقدم المصنف : أن صلاته تبطل أيضا ، وهو المذهب قدمه في الفروع ، والمحرر ، والحاويين ، والقاضي أبو الحسين ، والفائق وغيرهم قال الزركشي : إذا تكلم سهوا فروايات أشهرها وهو اختيار ابن أبي موسى والقاضي ، وغيرهما البطلان ونصره ابن الجوزي في التحقيق ، وعنه لا تبطل إذا كان ساهيا اختاره ابن الجوزي ، وصاحب مجمع البحرين والنظم ، والشيخ تقي الدين ، وصاحب الفائق وقدمه ابن تميم ، [ ويحتمل كلامه في الفروع إطلاق الخلاف ، وإليه ذهب ابن نصر الله في حواشيه [ ص: 135 ] وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، والكافي ، وشرح المجد والشرح ، وشرح ابن منجى ، والتلخيص ، والرعايتين ، وتقدم قريبا رواية ثالثة : لا تبطل إذا تكلم سهوا لمصلحتها ، ومن اختارها ، وإن كان جاهلا بتحريم الكلام ، أو الإبطال به : فهل هو كالناسي ، أم لا تبطل صلاته ؟ فإن بطلت صلاة الناسي ، فيه روايتان فالمصنف جعل الجاهل كالناسي وقدم أنه ككلام العامد .

إحداهما : أنه كالناسي : فيه من الخلاف وغيره ما في الناسي ، وهو الصحيح من المذهب قدمه ابن مفلح في حواشي المقنع قال في الكافي والرعايتين : وفي كلام الناسي والجاهل روايتان قال في المغني : والأولى أن يخرج فيه رواية الناسي . انتهى . والرواية الثانية : أن كلام الجاهل لا يبطل ، وإن أبطل كلام الناسي وجزم ابن شهاب بعدم البطلان في الجاهل قال في مجمع البحرين : ولا يبطلها كلام الجاهل في أقوى الوجهين ، وإن قلنا يبطلها كلام الناسي اختاره القاضي ، والمجد ، وأطلق الخلاف المجد في شرحه ، وابن تميم ، وصاحب الفروع ، وحكى المجد ، وابن تميم في الخلاف وجهين ، وحكاهما في الفروع روايتين ، وقال القاضي في الجامع : لا أعرف عن أحمد نصا في ذلك .

فوائد . إحداهما : قسم المصنف رحمه الله المتكلم إلى قسمين : أحدهما : من يظن تمام صلاته فيسلم ، ثم يتكلم إما لمصلحتها أو لغيرها . الثاني : من يتكلم في صلب الصلاة فحكى في الأول إذا تكلم لمصلحتها ثلاث روايات ، وحكى في الثاني روايتين [ ص: 136 ] وهذه إحدى الطريقتين للأصحاب ، واختيار المصنف والشارح وجزم به في الإفادات وقدمه في النظم ، والطريقة الثانية : الخلاف جار في الجميع ; لأن الحاجة إلى الكلام هنا قد تكون أشد كإمام نسي القراءة ونحوها فإنه يحتاج أن يأتي بركعة فلا بد له من إعلام المأمومين ، وهذه الطريقة هي الصحيحة في المذهب جزم بها في المحرر ، والفائق ، وقدمها في الفروع ، والرعاية واختارها القاضي ، والمجد في شرحه ، وصاحب مجمع البحرين ، وابن تميم ، الثانية : اختار المصنف ، وابن شهاب العكبري في عيون المسائل بطلان صلاة المكره على الكلام وهو إحدى الروايتين قال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين وإذا قلنا : تبطل بكلام الناسي فكذا كلام المكره أولى ; لأن عذره أندر ، وقال القاضي : لا تبطل بخلاف الناسي قال في الفروع : والناسي كالمتعمد ، وكذا جاهل ومكره في رواية ، وعنه لا فظاهره : أن المقدم عنده البطلان ، وقال في الرعاية الكبرى : وإن قلنا لا يعذر الناسي ففي المكره ونحوه وقيل : مطلقا وجهان ، وقال في التلخيص : ولا تبطل بكلام الناسي ، ولا بكلام الجاهل بتحريم الكلام إذا كان قريب العهد بالإسلام في إحدى الروايتين ، وعليهما يخرج سبق اللسان ، وكلام المكره . انتهى . قال في القواعد الأصولية : ألحق بعض أصحابنا المكره بالناسي ، وقال القاضي : بل أولى بالعفو من الناسي ، وكذا قال ابن تميم ونصر ابن الجوزي في التحقيق ما قاله القاضي واختاره ابن رزين في شرحه ، الثالثة : لو وجب عليه الكلام كما لو خاف على ضرير ونحوه ، فتكلم محذرا له بطلت الصلاة ، على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب .

[ ص: 137 ] قال في الفائق ، وحواشي ابن مفلح : هو قول أصحابنا وقدمه في الفروع وغيره . وقيل : لا تبطل قال المصنف : هو ظاهر كلام الإمام أحمد ، لأنه علل صحة صلاة من أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الكلام وفرق بينهما بأن الكلام هنا لم يجب عينا ، وقال القاضي وغيره : لزوم الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع الفساد ; لأنه لو رأى من يقتل رجلا منعه فإذا فعل فسدت قال في الرعاية الكبرى : وإن وجب الكلام لتحذير معصوم ضرير أو صغير لا تكفيه الإشارة عن وقوعه في بئر ونحوها فوجهان أصحهما : العفو والبناء وقدمه في الفائق ، وأطلقهما ابن تميم ، ومجمع البحرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية