الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1546 214 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن زينب، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ح وحدثني محمد بن حرب قال: حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني، عن هشام، عن عروة، عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بمكة، وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون، ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "فلم تصل حتى خرجت" أي: فلم تصل ركعتي الطواف حتى خرجت من الحرم أو من المسجد ثم صلت، فدل هذا على جواز تأخير ركعتي الطواف إلى خارج الحرم، وأن تعيينها بموضع غير لازم؛ لأن التعيين لو كان شرطا لازما لما أقر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أم سلمة على ذلك، وفي رواية الإسماعيلي من رواية حسان "إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون، قالت: ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت" أي فصليت.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم تسعة: لأنه أخرجه عن طريقين:

                                                                                                                                                                                  الأول عن عبد الله بن يوسف التنيسي وهو من أفراده، عن مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود الأسدي القرشي المدني يتيم عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أمها أم سلمة.

                                                                                                                                                                                  الطريق الثاني: عن محمد بن حرب -ضد الصلح- بن حربان أبي عبد الله الشامي، عن أبي مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني الشامي، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، عن أم سلمة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده):

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، أحدهما في روايته عن شيخه، والآخر عن شيخ شيخه، وبصيغة الإفراد عن شيخه الآخر.

                                                                                                                                                                                  وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد.

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في سبعة مواضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه مالك ومحمد وهشام وعروة مدنيون ومحمد بن حرب وأبو مروان شاميان.

                                                                                                                                                                                  وفيه رواية الابن عن أبيه.

                                                                                                                                                                                  وفيه رواية الصحابية، عن الصحابية [ ص: 270 ] وهي رواية البنت عن الأم.

                                                                                                                                                                                  وفيه رواية عروة، عن أم سلمة، كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، وزينب زائدة في هذا الطريق.

                                                                                                                                                                                  ذكر ما قيل في هذا الحديث:

                                                                                                                                                                                  وهو أن البخاري قد تجوز فيه حيث عطف الطريق الثاني على الطريق الأول، والحال أن اللفظين مختلفان، فإنه أخرج هذا الحديث بالطريق الأول بعين هذا الإسناد في باب إدخال البعير في المسجد للعلة عن عبد الله بن يوسف، عن مالك إلى آخره نحوه، وكذلك أخرجه في باب طواف النساء بالرجال عن قريب، عن إسماعيل، عن مالك إلى آخره، وقد قلنا: إن زينب في رواية الأصيلي زائدة; لأن أبا علي بن السكن، أخرجه عن علي بن عبد الله بن مبشر، عن محمد بن حرب شيخ البخاري، وليس فيه ذكر زينب.

                                                                                                                                                                                  وقال الدارقطني في كتاب التتبع في طريق يحيى بن أبي زكريا المذكور: هذا منقطع، فقد رواه حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أمها أم سلمة، ولم يسمعه عروة من أم سلمة.

                                                                                                                                                                                  وقال الغساني: هكذا رواه أبو علي بن السكن، عن الفربري مرسلا، لم يذكر بين عروة وأم سلمة زينب، وكذا هو في نسخة عبدوس الطليطلي، عن أبي زيد المروزي، ووقع في نسخة الأصيلي: عروة، عن زينب عنها متصلا، ورواية ابن السكن المرسلة أصح في هذا الإسناد، وهو المحفوظ، قيل: سماع عروة عن أم سلمة ممكن لأن مولده سنة ست وعشرين، وتوفيت أم سلمة قريبا من الستين وهو قطين بلدها، فما المانع من أن يكون سمعه أولا من زينب عنها ثم سمعه منها.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو علي الجياني: ووقع لأبي الحسن القابسي في إسناد هذا الحديث تصحيف في نسب يحيى بن أبي زكريا، قال: العشاني بضم العين المهملة وبالشين المعجمة المخففة. وقال ابن التين: يعني نسبة إلى بني عشانة، وقيل هو بالهاء بلا نون نسبة إلى بني عشاة، وقيل هو العثماني وكل ذلك تصحيف، والصواب: الغساني -بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة- نسبة إلى بني غسان.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): قال ابن المنذر: اختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلاده، فقال عطاء والحسن: يركعهما حيثما ذكر من حل أو غيره، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وهو موافق لحديث أم سلمة هذا; لأنه ليس فيها أنها صلتهما في الحرم أو في الحل.

                                                                                                                                                                                  وقال الثوري: يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم.

                                                                                                                                                                                  وقال مالك: إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلاده فعليه دم، وفي المدونة: من طاف في غير إبان صلاة أخر الركعتين وإن خرج إلى الحل ركعهما فيه، وتجزيانه ما لم ينتقض وضوؤه، وإن انتقض قبل أن يركعهما وكان طوافه ذلك واجبا فابتدأ بالطواف بالبيت وركع؛ لأن الركعتين من الطواف توصلا به إلى أن يتباعد فليركعهما، ويهدي ولا يرجع.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن المنذر: ليس ذلك أكثر من الصلاة المكتوبة، وليس على من تركها إلا قضاؤها حيثما ذكرها.

                                                                                                                                                                                  وقال أصحابنا: وإذا فرغ من الطواف يصلي ركعتين في مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وفي السراجية، وهو الأفضل وإن لم يقدر هناك يصلي حيث تيسر له من المسجد، وفي الخانية، وإن صلى في غير المسجد جاز، وهاتان الركعتان واجبتان عندنا.

                                                                                                                                                                                  وقال الشافعي: سنة، ولنا أنه صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم عليه السلام قرأ قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين فقرأ فيهما فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، ثم عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج إلى الصفا، رواه مسلم وأحمد، فنبه صلى الله عليه وسلم أن صلاته كانت امتثالا لأمر الله تعالى، والأمر للوجوب، وبه قال الشافعي في قول، وأصح القولين عنه أنهما سنة وليستا بواجبتين.

                                                                                                                                                                                  وقال شيخنا زين الدين: وفي المسألة قول ثالث أنهما واجبتان في طواف الفرض، سنتان في طواف التطوع.

                                                                                                                                                                                  وقال الرافعي: إن في طرق الأئمة ما يقتضي أنها ركن أو شرط في الطواف، وهذا قول رابع.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية