الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير

                                                                                                                                                                                                                                      قيل في معنى قوله تعالى: {يس} ما قدمناه في حروف التهجي في أول (سورة البقرة) وروي عن الحسن أيضا أنه قال: معناها: يا إنسان.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 382 ] الزجاج : جاء في التفسير أن المعنى: يا إنسان، وجاء: يا رجل، ويا محمد. وفي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها اسم من الأسماء التي سماها الله تعالى بها» وقوله: إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم : قيل: إنه خبر بعد خبر، وقيل: المعنى: إنك لمن المرسلين على استقامة، فيكون قوله تعالى على صراط مستقيم من صلة {المرسلين} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم : قيل: إن {ما} والفعل مصدر، وقيل: هي بمعنى: (الذي) فالمعنى: لتنذرهم، مثلما أنذر آباؤهم، وهو معنى قول قتادة وعكرمة، وعن قتادة أيضا: أن {ما} نفي، قال: والمعنى: لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك من نذير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون أي: وجب القول عليهم أنهم من أهل النار، وهذا في من سبق في علم الله تعالى أنه يموت على كفره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا : قيل: إنه يوم القيامة، أخبر عنه بلفظ المضي.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 383 ] الضحاك: المعنى: منعناهم من الإنفاق في سبيل الله.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: هو تمثيل لمنعه إياهم من الإيمان] وقيل: هو تمثيل لمنعه إياهم من أذى النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة وغيره: نزلت في أبي جهل لعنه الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : أقسم أبو جهل لئن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي ليدمغنه بحجر، فأخذ حجرا والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي; ليرميه، فلما أومأ به إليه، رجعت يده إلى عنقه، والتصق الحجر بيده، فهو قوله: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن إسحاق: جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل، وأمية بن خلف; يرصدون النبي -صلى الله عليه وسلم- ليؤذوه، فخرج وقرأ عليهم أول (سورة يس) ورمى على رؤوسهم ترابا كان في يده، فأطرقوا حتى مر صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فهي إلى الأذقان يعني: أيمانهم، كنى عنها; لأنها مغلولة، وكذلك قرأ ابن مسعود: {إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا}.

                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 384 ] وقيل: التقدير: فالأغلال إلى الأذقان بالأيمان، فحذف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {فهم مقمحون}: (المقمح) في اللغة: الرافع رأسه، الغاض بصره، وقيل: الرافع رأسه لمكروه.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: هو الذي يجذب وهو رافع رأسه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى: أنهم رفعوا رؤوسهم، وشخصوا بأبصارهم، وعنه أيضا أنهم رفعوا رؤوسهم، وأيديهم على أفواههم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (المقمح) و (المقمع) والمقنع) سواء، وقد تقدم ذكر (المقنع).

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : {مقمحون} مغللون عن كل خير.

                                                                                                                                                                                                                                      وسئل -رضي الله عنه- عن الإقماح; فجعل يده، تحت لحيته، وألصقها [ ص: 385 ] ورفع رأسه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعلنا من بين أيديهم سدا : قال مجاهد و قتادة : سدا عن الحق، وقيل: هو منعهم من أذى النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {فأغشيناهم} أي: جعلنا على أعينهم غشاء، ومن قرأ {فأعشيناهم} فهو من (العشى) في العين; كما قال في موضع آخر: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين [الزخرف: 36].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وخشي الرحمن بالغيب أي: يخشاه في مغيبه عن أبصار الناس، وانفراده بنفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم : قال ابن عباس : كانت الأنصار بعيدة من المسجد، فقالوا: نأخذ أمكنة بقرب المسجد; فأنزل الله تعالى الآية، فقالوا: نثبت في مكاننا.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : {وآثارهم}: خطاهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: ما قدموا : أعمالهم التي عملوها، و {وآثارهم}: ما سنوه يعمل به بعدهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 386 ] وقوله: وكل شيء أحصيناه في إمام مبين يعني: اللوح المحفوظ، وقيل: صحائف الأعمال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واضرب لهم مثلا أصحاب القرية : قال كعب ووهب: هي أنطاكية، كان بها فرعون يقال له: أبطنخس بن أبطنخس، يعبد الأصنام، فأرسل الله تعالى إليه ثلاثة; وهم صادق، وصدوق، وشلوم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فعززنا بثالث أي: شددنا، وقوينا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا إنا تطيرنا بكم أي: تشاءمنا بكم.

                                                                                                                                                                                                                                      {لنرجمنكم} أي: لنقتلنكم رجما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا طائركم معكم أي: حظكم من الخير والشر معكم، ليس هو من شؤمنا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : معناه: الأرزاق والأقدار تتبعكم.

                                                                                                                                                                                                                                      أإن ذكرتم : قال قتادة : المعنى: أإن ذكرتم تطيرتم؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى : قال مجاهد : هو حبيب النجار، قال قتادة ، كان يعبد الله في غار، فلما سمع بخبر المرسلين; جاء يسعى، فقال للمرسلين: أتطلبون على ما جئتم به أجرا؟ قالوا: لا، فأقبل على قومه، فقال: يا قوم اتبعوا المرسلين كما أخبر الله عز وجل، ثم قال للمرسلين: إني آمنت بربكم فاسمعون ، كعب ووهب: إنما قال ذلك لقومه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 387 ] قال قتادة : فرجمه قومه، فجعل يقول: اللهم اهد قومي; فإنهم لا يعلمون، فرجموه حتى مات، فأدخله الله الجنة، وأهلك قومه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد : معنى قوله: قيل ادخل الجنة : وجبت لك الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية