الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 188 ] ( كتاب الكفارة )

                                                                                                                              من الكفر وهو الستر لسترها الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه بناء على أنها زواجر كالحدود والتعازير أو جوابر للخلل ورجح ابن عبد السلام الثاني ؛ لأنها عبادة لافتقارها للنية أي فهي كسجود السهو فإن قلت المقرر في الدفن لكفارة البصق أنه يقطع دوام الإثم وهنا الكفارة على الثاني لا تقطع دوامه وإنما تخفف بعض إثمه قلت يفرق بأن الدفن مزيل لعين ما به المعصية فلم يبق بعده شيء يدوم إثمه بخلاف الكفارة هنا فإنها ليست كذلك فتأمله وعلى الأول الممحو هو حق الله من حيث هو حقه وأما بالنظر لنحو الفاسق بموجبها فلا بد فيه من التوبة نظير نحو الحد ( يشترط نيتها ) بأن ينوي الإعتاق مثلا عنها لا الواجب عليه وإن لم يكن عليه غيره لشموله النذر نعم إن نوى أداء الواجب بالظهار مثلا كفى وذلك ؛ لأنها للتطهير كالزكاة نعم هي في كافر كفر بالإعتاق [ ص: 189 ] للتمييز كما في قضاء الديون لا الصوم ؛ لأنه لا يصح منه ؛ لأنه عبادة بدنية ولا ينتقل عنه للإطعام لقدرته عليه بالإسلام فإن عجز أطعم ونوى للتمييز أيضا ويتصور ملكه للمسلم بنحو إرث أو إسلام قنه أو يقول لمسلم أعتق قنك عن كفارتي فيجيب .

                                                                                                                              فإن لم يمكنه شيء من ذلك وهو مظاهر موسر منع من الوطء لقدرته على ملكه بأن يسلم فيشتريه وأفاد قوله نيتها أنه لا يجب التعرض للفرضية ؛ لأنها لا تكون إلا فرضا وأنه لا تجب مقارنتها لنحو العتق وهو ما نقله في المجموع عن النص والأصحاب وصوبه ووجهه بأنه يجوز فيها النيابة فاحتيج لتقديم النية كما في الزكاة بخلاف الصلاة لكن رجح في الروضة كأصلها أنهما سواء وعلى الأول إذا قدمها يجب قرنها بنحو عزل المال كما في الزكاة ويكفي قرنها بالتعليق عليهما كما هو ظاهر ولو علم وجوب عتق عليه وشك أهو عن نذر أو كفارة ظهار أو قتل أجزأه بنية الواجب عليه للضرورة ولأنه لو قال عن كذا أو كذا أو اجتهد وعين أحدها لم يجزئ عنه وإن بان أنه الواجب كما هو ظاهر ( لا تعيينها ) عن ظهار مثلا ؛ لأنها في معظم [ ص: 190 ] خصالها نازعة إلى الغرامات فاكتفي فيها بأصل النية فلو أعتق من عليه كفارتا قتل وظهار رقبتين بنية كفارة ولم يعين أجزأ عنهما أو رقبة كذلك أجزأ عن إحداهما مبهما وله صرفه إلى إحداهما ويتعين فلا يتمكن من صرفه إلى الأخرى كما لو أدى من عليه ديون بعضها مبهما فإن له تعيين بعضها للأداء نعم لو نوى غير ما عليه غلطا لم يجزئه وإنما صح في نظيره في الحدث ؛ لأنه نوى رفع المانع الشامل لما عليه ولا كذلك هنا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( كتاب الكفارة )

                                                                                                                              . ( قوله ورجح ابن عبد السلام الثاني ) أي إنها جوابر ونبه صاحب التقريب على أنها في حق الكافر بمعنى الزواجر لا غير وهو ظاهر بر . ( قوله على الثاني ) أي تخفيف الإثم [ ص: 189 ] قوله كما في قضاء الديون ) قد يدل على وجوب النية في قضاء الديون لكن ينبغي أن يجري في ذلك ما يأتي في النفقات في أداء واجب الزوجة ثم تذكرت ما تقدم في باب الضمان في شرح قول المصنف وإن أذن بشرط الرجوع رجع وكذا إن أذن مطلقا في الأصح من بسط أنه لا بد من قصد الأداء عن جهة الدين نقلا عن السبكي عن الإمام وإن كثيرا من الفقهاء يغلطون فيه فراجعه . ( قوله فإن عجز ) أي عن الصوم لنحو مرض بشرطه كما في المسلم . ( قوله لا تكون إلا فرضا ) قد ينظر فيه بأن المحرم لو قتل قملة من نحو لحيته سن له التصدق بلقمة وظاهر أنها كفارة ولو تعرض لصيد محرما أو بالحرم وشك أنه مما يحرم التعرض له فداه ندبا فقد تكون الكفارة مندوبة . ( قوله وأنه لا تجب إلخ ) اعتمده م ر وكذا اعتمد ما نقله في المجموع عن النص إلخ ا هـ . ( قوله بالتعليق ) أي تعليق العتق وقوله عليهما أي القولين [ ص: 190 ] قوله : لأنه نوى رفع المانع الشامل إلخ ) قد يقال إنما نوى رفع المانع المخصوص .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( كتاب الكفارة )

                                                                                                                              أي جنسها لا كفارة الظهار فقط ا هـ مغني . ( قوله من الكفر ) إلى قوله أي فهي في النهاية وكذا في المغني إلا قوله بمحوه . ( قوله بمحوه ) أي إن قلنا أنها جوابر وقوله أو تخفيف أي إن قلنا أنها زواجر إلخ وقوله بناء على أنها زواجر قضيته أنها على القول بأنها زواجر تمحو الذنب أو تخففه ويرد عليه أنه على هذا يستوي القولان والذي ينبغي أنه على القول بأنها زواجر يكون الغرض منها منع المكلف من الوقوع في المعصية فإذا اتفق أنه فعل المعصية ثم كفر لا يحصل بها تخفيف للإثم ولا محو وتكون حكمة تسميتها كفارة على هذا ستر المكلف من ارتكاب الذنب ؛ لأنه إذا علم إذا فعل شيئا من موجبات الكفارة لزمته تباعد عنه فلا يظهر عليه ذنب يفتضح به لعدم تعاطيه إياه ا هـ ع ش . ( قوله بمحوه إلخ ) عبارة المغني تخفيفا من الله تعالى وهل الكفارات بسبب حرام زواجر كالحدود والتعازير أو جوابر للخلل الواقع وجهان أوجههما الثاني كما رجحه ابن عبد السلام ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بناء على أنها زواجر إلخ ) يتبادر منه أنا إذا قلنا أنها زواجر محت الذنب أو جوابر خففت فليتأمل وجه البناء على هذا التقدير فإنه قد يقال إنما بناؤهما على أنها جوابر ؛ لأن الجبر يتصور بالمحو والتخفيف وأما الزجر فلا يستلزم واحدا منهما ثم يظهر أن محل الخلاف في المقصود أصالة منها وإلا فلا مانع من اجتماعهما على أنه لا يظهر مانع أيضا من كون كل منهما مقصودا أصالة إلا أن يظهر نص من الشارع بخلافه فتأمل ثم رأيت في شرح الإرشاد أشار لنحو ما استظهرناه في حمل الخلاف وعبارته على أن المراد بما مر أن المغلب فيها ماذا وإلا فكلا المعنيين موجود فيها انتهى ا هـ سيد عمر وقوله يتبادر منه أنا إلخ أقول بل هذا صريح آخر كلامه . ( قوله أو جوابر ) قسم قوله زواجر ا هـ ع ش . ( قوله الثاني ) أي قوله جوابر وهو المعتمد ا هـ ع ش عبارة سم أي أنها جوابر ونبه صاحب التقريب على أنها في حق الكافر بمعنى الزجر لا غير وهو ظاهر برماوي ا هـ . ( قوله على الثاني ) أي تخفيف الإثم ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله وعلى الأول ) أي محو الإثم . ( قوله من حيث هو حقه ) لعل المراد بذلك الحكم الأخروي وهو العقاب وبقوله وأما بالنظر إلخ الحكم الدنيوي وهو الحكم عليه بكونه فاسقا ا هـ سيد عمر . ( قوله بأن ينوي ) إلى قوله ولأنه لو قال في النهاية وكذا في المغني إلا قوله فإن عجز إلى ويتصور وقوله فإن لم يمكنه إلى وأفاد وقوله ويكفي إلى ولو علم ( قوله مثلا ) أي أو الصوم أو الإطعام ا هـ مغني . ( قوله لا الواجب إلخ ) أي فلا يكفي الإعتاق أو الصوم أو الكسوة أو الإطعام الواجب عليه ا هـ مغني ( قوله غيره ) الأولى التأنيث كما في النهاية . ( قوله لشموله ) أي الواجب عليه وقوله النذر أي الواجب به ( قوله إن نوى أداء الواجب إلخ ) هل لذكر الأداء دخل أو هو محض تصوير حتى لو اقتصر على الواجب أجزأ محل تأمل ولعل الثاني أقرب ا هـ سيد عمر أقول ويصرح بالثاني قول المغني نعم لو نوى الواجب بالظهار أو القتل كفى ا هـ . ( قوله وذلك ) أي اشتراط نية الكفارة . ( قوله نعم هي ) أي النية ا هـ ع ش . ( قوله في كافر إلخ ) شامل للمرتد عبارة المغني والروض مع شرحه وكالذمي فيما ذكر مرتد بعد وجوب الكفارة وتجزيه الكفارة بالإعتاق [ ص: 189 ] والإطعام فيطأ بعد الإسلام وإن كفر في الردة ا هـ . ( قوله للتمييز ) أي لا للتقرب ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله كما في قضاء الدين ) كذا قاله الرافعي قال بعض المتأخرين ويؤخذ منه اشتراط النية في قضاء الدين فلو دفع مالا لمن له عليه دين لا بنية الوفاء كان هبة قال وفيه وقفة ا هـ مغني عبارة سم قوله كما في قضاء الديون يدل على وجوب النية في قضاء الديون وقد تقدم في باب الضمان في شرح وإن أذن بشرط الرجوع رجع إلخ بسط أنه لا بد من قصد الأداء من جهة الدين نقلا عن السبكي عن الإمام وأن كثيرا من الفقهاء يغلطون فيه فراجعه ا هـ . ( قوله لا الصوم ) انظر هذا العطف مع أن الحكم الذي ذكره في المعطوف غيره في المعطوف عليه ا هـ رشيدي عبارة المغني والصوم منه لا يصح لعدم صحة نيته له ولا يطعم وهو قادر على الصوم فيترك الوطء أو يسلم ويصوم ثم يطأ ا هـ . ( قوله ولا ينتقل ) أي الكافر عنه أي الصوم . ( قوله فإن عجز ) أي عن الصوم لنحو مرض بشرطه كما في المسلم سم و ع ش . ( قوله انتقل ) أي للإطعام ا هـ ع ش . ( قوله فإن لم يمكنه إلخ ) عبارة شرح الروض فإن تعذر تحصيله الإعتاق وهو موسر امتنع عليه الوطء فيتركه أو يسلم ويعتق ثم يطأ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله موسر ) ومثله ما لو أعسر لقدرته على الصوم بالإسلام فيحرم عليه الوطء وقضية قوله موسر إلخ أنه لو عجز عن الكفارة بأنواعها جاز له الوطء وفي الروض وشرحه آخر الباب فصل إذا عجز من لزمته الكفارة عن جميع الخصال بقيت أي الكفارة في ذمته إلى أن يقدر على شيء منها كما مر في الصوم فلا يطأ حتى يكفر في كفارة الظهار ا هـ فهو شامل للمسلم والكافر ا هـ ع ش . ( قوله : لأنها لا تكون إلا فرضا ) قد ينظر فيه بأن المحرم لو قتل قملة من نحو لحيته سن له التصدق بلقمة وظاهر أنها كفارة ولو تعرض لصيد محرما أو بالحرم وشك أنه مما يحرم له التعرض فدى ندبا فقد تكون الكفارة مندوبة سم على حج ويمكن الجواب بأن المراد أن الكفارة بإحدى هذه الخصال التي هي مرادة عند الإطلاق لا تكون إلا فرضا ا هـ ع ش . ( قوله وأنه لا تجب مقارنتها إلخ ) لعل وجه إفادة كلام المصنف لهذا من حيث إطلاقه وعدم تقييده ا هـ رشيدي . ( قوله لنحو العتق ) عبارة المغني للإعتاق أو الإطعام بل يجوز تقديمها كما نقله في المجموع إلخ وسيأتي أواخر هذا الكتاب أن التكفير بالصوم يشترط فيه التبييت ا هـ . ( قوله وهو ما نقله في المجموع إلخ ) وهو المعتمد ا هـ نهاية . ( قوله فاحتيج إلخ ) يعني فاحتجنا للحكم بجواز التقديم ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله أنهما سواء ) أي الكفارة والصلاة وقوله قرنها أي النية ا هـ ع ش . ( قوله بنحو عزل المال ) بأن يقصد أن يعتق هذا العبد عن الكفارة أو يطعم هذا الطعام عن الكفارة وحينئذ لا يجب أن يستحضر عند الإعتاق أو الإطعام كون العتق أو الإطعام مثلا عن الكفارة حلبي فالمراد بعزل المال التعيين ا هـ بجيرمي . ( قوله ويكفي قرنها بالتعليق ) بل يتعين ذلك على مصحح الروضة كما تصرح به عبارته وعبارة الروض خلافا لما يوهمه تعبيره بالكفاية ا هـ سيد عمر ( قوله بالتعليق ) أي تعليق العتق ا هـ سم . ( قوله عليهما ) أي القولين سم و ع ش . ( قوله أجزأه إلخ ) أي ولو علم به بعد ذلك ا هـ ع ش . ( قوله ولأنه إلخ ) لعل الأولى إسقاط الواو وقوله لم يجز عنه وهل يعتق نفلا أو لا سيأتي ما فيه . ( قوله أنه الواجب ) أي ما عينه بالاجتهاد . ( قوله عن ظهار ) إلى المتن في النهاية وكذا في المغني إلا قوله وله صرفه إلى نعم . ( قوله مثلا ) أي أو عن غيره كالقتل ( قوله : لأنها في معظم خصالها ) هلا قال ؛ لأن معظم خصالها نازع إلخ مع أنه أخصر [ ص: 190 ] وما معنى الظرفية ا هـ بجيرمي أقول والظرفية هنا من ظرفيه الجزئي لكليه . ( قوله نازعة ) أي مائلة ع ش وكردي .

                                                                                                                              ( قوله كذلك ) أي بنية الكفارة بلا تعيين ( قوله وله صرفه إلخ ) وينبغي عدم جواز وطئه لها حتى يعين كونه عن كفارة الظهار ع ش ا هـ بجيرمي ( قوله فإن له تعيين بعضها إلخ ) أي وإن كان ما عينه مؤجلا أو ما أداه من غير جنس ما هو المدفوع عنه لكن في هذه لا يملكه الدائن إلا بالرضا هذا ولو أسقط بعضها وقال تعيينه لكان أولى ا هـ ع ش . ( قوله غلطا ) كأن نوى كفارة قتل وليس عليه إلا كفارة ظهار ا هـ شرح المنهج . ( قوله لم يجزئه ) ويقع نفلا في الإعتاق والصوم ويسترد الطعام ا هـ بجيرمي عبارة ع ش قوله لم يجزئه ظاهره حصول العتق مجانا ثم رأيت سم على المنهج صرح به وقرئ بالدرس بهامش نسخة صحيحة ما نصه : قوله لم يجزه أي ولا يعتق كما في شرح الروض ا هـ وقوله كما في شرح الروض لعله في غير باب الكفارة وإلا فتتبعته فما وجدته فيه لكن قول المغني لم يجزه كما لو أخطأ في تعيين الإمام ا هـ يرجح ما نقل عن شرح الروض . ( قوله : لأنه نوى رفع المانع إلخ ) قد يقال إنما نوى رفع المانع المخصوص ا هـ سم




                                                                                                                              الخدمات العلمية