الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
والذي يزني في شهر رمضان نهارا ، فيدعي شبهة يدرأ بها الحد عن نفسه يعزر لإفطاره ; لأنه مرتكب للحرام بإفطاره ، وإن خرج من أن يكون زانيا بما ادعى من الشبهة ، ولا يحبس هنا ; لأن الحبس للتهمة ، فأما جزاء الفعل الذي باشره ، فالتعزير ، وقد أقيم عليه ، والمسلم الذي يأكل الربا ، أو يبيع الخمر ، ولا ينزع عن ذلك إذا رفع إلى الإمام يعزره ، وكذلك المخنث ، والنائحة ، والمغنية ، فإن هؤلاء يعزرون بما ارتكبوا من المحرم ، ويحبسون حتى يحدثوا التوبة ; لأنهم بعد إقامة التعزير عليهم مصرون على سوء صنيعهم ، وذلك ، فوق التهمة في إيجاب حبسهم إلى أن يحدثوا التوبة ، وإذا شتم المسلم امرأة ذمية ، أو قذفها بالزنا عزر ; لأن الذمية غير محصنة ، فلا يجب الحد على قاذفها ، ولكن قاذفها مرتكب ما هو محرم ، فيعزر ، وكذلك إذا قذف مسلمة قد زنت ، أو مسلما قد زنى ، أو أمة مسلمة ; لأن المقذوف من هؤلاء غير محصن ، ولكن القاذف [ ص: 37 ] مرتكب ما هو حرام ، وهو إشاعة الفاحشة ، وهتك للستر على المسلم من غير حاجة ، وذلك موجب للتعزير عليه ، وإذا قطع اللصوص الطريق على قوم ، فلهم أن يقاتلوهم دفعا عن أنفسهم ، وأموالهم قال عليه الصلاة والسلام { من قتل دون ماله ، فهو شهيد } ، وإذا استعانوا بقوم من المسلمين لم يحل لهم أن يعينوهم ، ويقاتلوهم معهم ، وإن أتوا على أنفسهم ; لأن النهي عن المنكر ، فرض ، وبذلك ، وصف الله تعالى هذه الأمة بأنهم خير أمة ، فلا يحل لهم أن يتركوا ذلك إذا قدروا عليه .

قلت ، والرجل يخترط السيف على الرجل ، ويريد أن يضربه ، ولم يفعل ، أو شد عليه بسكين ، أو عصا ، ثم لم يضربه بشيء من ذلك هل يعزر قال : نعم ; لأنه ارتكب ما لا يحل من تخويف المسلم ، والقصد إلى قتله ، قلت ، والرجل يوجد في بيته الخمر بالكوفة ، وهو فاسق ، أو يوجد القوم مجتمعين عليها ، ولم يرهم أحد يشربونها غير أنهم جلسوا مجلس من يشربها هل يعزرون قال : نعم ; لأن الظاهر أن الفاسق يستعد الخمر للشرب ، وأن القوم يجتمعون عليها لإرادة الشرب ، ولكن بمجرد الظاهر لا يتقرر السبب على وجه لا شبهة فيه ، فلا يمكن إقامة الحد عليهم ، والتعزير مما يثبت مع الشبهات ، فلهذا يعزرون ، وكذلك الرجل يوجد معه ركوة من الخمر بالكوفة ، أو قال ركوة ، وقد كان بعض العلماء في عهد أبي حنيفة رحمه الله يقول : يقام عليه الحد كما يقام على الشارب ; لأن الذي يسبق إلى وهم كل أحد أنه يشرب بعضها ، ويقصد الشرب فيما بقي معه منها إلا أنه حكي أن أبا حنيفة رحمه الله قال لهذا القائل لم تحده قال : لأن معه آلة الشرب ، والفساد قال : رحمه الله ، فارجمه إذا ، فإن معه آلة الزنا ، فهذا بيان أنه لا يجوز إقامة الحد بمثل هذا الظاهر ، والتهمة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية