الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا

الإشارة بـ "ذلك" في قوله تعالى: "وكذلك" إلى بعثهم ليتساءلوا، أي: كما بعثناهم أعثرنا عليهم.

و "أعثر" تعدية "عثر" بالهمزة، وأصل العثار في القدم، فلما كان العاثر في الشيء مشبها له شبه به، من شبه العلم بشيء عن له وثار بعد خفائه، والضمير في "ليعلموا" يحتمل أن يعود على الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم، وإلى هذا ذهب الطبري ، وذلك أنهم -فيما روي- دخلتهم حينئذ فتنة في أمر الحشر وبعث الأجساد من القبور، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه، وقالوا: إنما تحشر الأرواح، فشق ذلك على ملكهم وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمره لهم حتى لبس المسوح وقعد على الرماد، وتضرع إلى الله في حجة وبيان، فأعثر الله على أهل الكهف، فلما بعثهم الله، وتبين الناس أمرهم سر الملك، ورجع من كان شك في بعث الأجسام إلى اليقين به، وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله: إذ يتنازعون بينهم أمرهم على هذا التأويل. ويحتمل أن يعمل في "إذ" -على هذا التأويل-، "أعثرنا"، ويحتمل أن يعمل فيه "ليعلموا".

والضمير في قوله: "ليعلموا" يحتمل أن يعود على أصحاب الكهف، أي: يجعل الله تعالى أمرهم آية لهم دالة على بعث الأجساد من القبور. وقوله: إذ يتنازعون -على هذا التأويل- ابتداء خبر عن القوم الذين بعثوا على عهدهم، والعامل [ ص: 587 ] في "إذ" فعل مضمر تقديره: واذكر، ويحتمل أن يعمل فيه: "فقالوا"، ويكون المعنى:فقالوا إذ يتنازعون: ابنوا عليهم، والتنازع -على هذا التأويل- إنما هو في أمر البناء والمسجد لا في أمر القيامة. و "الريب": الشك، والمعنى أن الساعة في نفسها وحقيقتها لا شك فيها، وإن كان الشك قد وقع لناس فذلك لا يلحقها منه شيء، وقد قيل: إن التنازع إنما هو في أن اطلعوا عليهم فقال بعضهم: أموات، وقال بعضهم: أحياء، وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم، وتركهم فيه مغيبين، فقالت الطائفة الغالبة على الأمر: لنتخذن عليهم مسجدا ، فاتخذوه، وقال قتادة : "الذين غلبوا هم الولاة". وقرأ الحسن ، وعيسى الثقفي: "غلبوا" بضم الغين وكسر اللام، والمعنى: إن الطائفة التي دعت إلى البنيان إنها كانت أرادت بناء بيعة أو مصنع لكفرهم، فمانعهم المؤمنون، وقالوا: لنتخذن عليهم مسجدا . وروي عن عبيد بن عمير أن الله تعالى عمى على الناس حينئذ أمرهم وحجبهم عنهم، فلذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية