الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم من يخالف هؤلاء* [ ص: 360 ] .

ومن أهل العلم والكلام الناصرين للسنة من يقول في هذا الحديث ونحوه: إنه مصروف عن ظاهره، كما ذكره عبد العزيز المكي في « الرد على الجهمية الزنادقة».

قال عبد العزيز: باب الأحاديث التي نزعوها من القرآن وجهلوا معناها. فمن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما حمل على أليق المعاني به، ولم يحمل على ظاهره: قوله صلى الله عليه وسلم: « الولد للفراش وللعاهر الحجر»، قال: فلم يحمل على ظاهره; لأن العرب تعقل أن الفراش لا ولد له ولا والد، لكن المعنى فيه عندنا: أن الولد لصاحب الفراش، لا يشك فيه أحد.

ومثله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يقول الله تعالى: لو أتاني عبدي بقراب الأرض خطيئة أتيته بقرابها -أي ملئها- مغفرة ما لم يشرك بي شيئا، ومن دنى مني شبرا دنوت منه ذراعا، ومن دنا مني ذراعا دنوت منها باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة». فعقلوا ما خاطبهم به النبي صلى الله عليه وسلم: أن العبد لا يمشي إلى ربه، وربه لا يهرول إليه، وإنما أريد بذلك: [ ص: 361 ]

من دنا مني بالعمل الصالح بقدر شبر أتيته بالثواب قدر ذراع، والذراع أكثر من الشبر وكذلك من الباع. وقال: « من أتاني يمشي»، يقول: يسارع إلي بالعمل الصالح، أسرعت إليه بالثواب. يريد بالهرولة الثواب، لا أن الهرولة أسرع من المشي، يقول: ثوابي أكثر من عمله.

فهذا مما لا يحمل على ظاهره وما كان مثله; فمن الحديث ما يكون معناه في باطنه، ومنه ما يكون معناه في ظاهره.

فهذا الذي قاله في معناه تقوله طائفة من الناس وتنازعهم فيه طوائف، فيجعلون معنى الحديث قدرا زائدا على الثواب، كما تقدم في القرب.

وأما كون ذلك وفق الظاهر أو خلاف الظاهر ففيه أيضا نزاع، كما تنازعوا في أن ما ظهر معناه في العقل هل يقال: إنه خلاف الظاهر؟ كما في قوله: وأوتيت من كل شيء [النمل: 23]، كما ظهر معناه بالتركيب والسياق.

كذلك ما ذكره من حديث الفراش، فإنه قد ثبت في « الصحيح»: « الولد لصاحب الفراش»، وأحد اللفظين يفسر الآخر، والمعنى من الحديث ظاهر، بل نص لا يحتمل معنيين، ولكن بعض الفقهاء اعتقد أن الفراش اسم للزوج خاصة، حتى أخرج السيد المتسري، وجمهور [ ص: 362 ] الفقهاء على العموم لهما، كما جاء ذلك منصوصا في تنازع سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة، فأشهر الأحاديث وأصحها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: « الولد للفراش»، كان في سيد واطئ وليدة لا في زوج، فلا يجوز إخراج ذلك من الحديث.

ولكن وجه دلالة اللفظ على المعنى هل هو من باب حذف المضاف أو من باب الاستعارة وتسمية صاحب الفراش: فراشا، كما تسمى المرأة: إزارا، ويسمى كل من الزوجين لباسا للآخر؟

أو أن تكون الإضافة على ظاهره، وإضافته إلى الفراش تقتضي أن يكون لصاحبها؟ هذه الأمور مما تكلم الناس فيها من غير أن يكون ظاهر الحديث الذي يظهر للمستمعين: أن الفراش ولدت الولد.

وفي الجملة فتنازع الناس في مثل هذه المعاني هل هو مخالف للظاهر أو موافقه معروف؟ فإن كانت مخالفة للظاهر، فلا بد أن يكون في الأدلة الشرعية ما يدل على المعنى الصحيح.

وقد قدمنا غير مرة: أن ما ترك ظاهره من القرآن والحديث بقرآن أو حديث، فهذا مما لا نزاع فيه، وهو مما تسميه السلف: الناسخ والمنسوخ، فهذا هذا. والله أعلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية