الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                30 ص: فإن كنتم قد جعلتم قوله في القلتين على خاص من القلال، جاز لغيركم أن يجعل الماء على خاص من المياه، فيكون ذلك عنده على ما يوافق معاني الآثار الأول ولا يخالفها، فإذا كانت الآثار الأول التي قد جاءت في البول في الماء الراكد، وفي نجاسة الماء الذي في الإناء من ولوغ الهر فيه عاما لم يذكر مقداره، وجعل على كل ما لا يجري; ثبت بذلك أن ما في حديث القلتين هو على الماء الذي لا يجري، ولا نظر في ذلك إلى مقدار الماء، كما لم ينظر في شيء مما ذكرنا إلى مقداره; حتى لا يتضاد شيء من الآثار المروية في هذا الباب.

                                                التالي السابق


                                                ش: تحريره: أنهم إذا قالوا: نحن نخص القلتين بما هو المعروف عند أهل الحجاز فلا يبقى حينئذ احتمال فتقوم الحجة، فنحن نعارضهم بأن نخص الماء المذكور في حديث القلتين بأن نحمله على الماء الراكد، وهو أعم من أن يكون على الأرض أو في الإناء ليوافق معناه معاني الآثار التي وردت في البول في الماء الراكد ، وفي نجاسة الماء الذي في الإناء من ولوغ الكلب أو الهرة، ولم يذكر في هذه الآثار مقدار معين، بل جعل على كل ما لا يجري فكذلك يحمل ما في حديث القلتين على الماء الذي لا يجري من غير نظر إلى مقداره كما في الآثار المذكورة; لئلا يقع التضاد والتنافي بين حديث القلتين والآثار المذكورة.

                                                [ ص: 128 ] بيان وقوع التضاد عند عدم التوفيق: أن الآثار المذكورة تدل على نجاسة الماء الراكد مطلقا، سواء كان في قلة أو قربة أو طشت أو حوض أو نحو ذلك، وسواء كان قليلا أو كثيرا، وسواء تغير أحد أوصافه أو لا، وحديث القلتين يدل بظاهره على أن الماء إذا بلغ قلتين لا يتنجس بوقوع النجاسة ، وبينهما منافاة ظاهرة; لأن كلا الماءين من الماء الذي لا يجري فالحكم في أحدهما بالنجاسة وفي الآخر بالطهارة -والحال أنهما سواء- تضاد ومنافاة، فإذا حمل حديث القلتين على ما ذكرنا ارتفع التضاد وتوافقت الآثار واتحدت معانيها.

                                                وها هنا جواب آخر تفردت به وهو أنكم إذا حملتم معنى القلة على قلة معينة يعرفها أهل الحجاز الذي هو أحد معاني القلة، فنحن أيضا نحمله على معنى قامة الرحل; لأنه أحد محتملاته، فيكون المعنى: إذا بلغ الماء قامتين لا يحمل الخبث، وقدر القامتين لا يكون إلا في الغدران والحياض الكبيرة فيكون كثيرا، ونحن أيضا نقول: إن الماء الكثير لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه إلا إذا تغير أحد أوصافه من الطعم واللون والرائحة.

                                                فإن قلتم: حملكم على معنى القامة ترجيح بلا مرجح.

                                                قلنا: حملكم أيضا على قلة يعرفها أهل الحجاز ترجيح بلا مرجح.

                                                فإن قلتم: عندنا ما يرجح ذلك وهو رواية ابن جريج أنها قلال هجر .

                                                قلنا: قد مر الجواب عن هذا أن ابن جريج لا يقلد في ذلك. وقد حمل بعض الناس القلة على قلة الجبل وهي أعلاه؛ لأن قلة كل شيء أعلاه وهذا بعيد عادة; لأن الماء إذا بلغ إلى أعلى الجبلين يكون كالبحر فلا تؤثر فيه النجاسة أصلا، فلا يبقى لقوله: "إذا بلغ الماء أعلى الجبلين لا يحمل الخبث" زيادة فائدة.




                                                الخدمات العلمية