الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم

قوله: "لاهية" حال بعد حال، واختلف النحاة في إعراب قوله سبحانه: وأسروا النجوى الذين ظلموا - فمذهب سيبويه أن الضمير في قوله: "أسروا" فاعل، وأن "الذين" بدل منه، وأن لغة "أكلوني البراغيث" ليست في القرآن، وقال أبو عبيدة وغيره: الواو والألف علامة أن الفاعل مجموع، كالتاء في قولك: "قامت هند"، و "الذين" فاعل بـ "أسروا"، وهذا على لغة من قال: "أكلوني البراغيث"، وقالت فرقة: الضمير فاعل، و "الذين" مرتفع بفعل تقديره: أسرها الذين، أو قالها الذين.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والوقوف على "النجوى" في هذا القول وفي القول الأول أحسن، ولا يحسن في الثاني. وقالت فرقة: "الذين" مرتفع على خبر ابتداء مضمر، تقديره: هم الذين ظلموا، والوقف مع هذا حسن. وقالت فرقة: "الذين" في موضع نصب بفعل تقديره: أعني الذين. وقالت فرقة: "الذين" في موضع خفض بدل من "الناس" في قوله: اقترب للناس حسابهم .

[ ص: 153 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذه أقوال ضعيفة.

ومعنى: " أسروا النجوى " : تكلموا بينهم بالسر والمناجاة بعضهم لبعض، وقال أبو عبيدة : "أسروا": أظهروا، وهو من الأضداد، ثم بين تعالى الأمر الذي تناجوا به وهو قول بعضهم لبعض: هل هذا إلا بشر مثلكم ، ثم قال بعضهم لبعض - على جهة التوبيخ في الجهالة -: أفتأتون السحر ، أي ما يقول، شبهوه بالسحر، المعنى: أفتتبعون السحر؟ وأنتم تبصرون ، أي تدركون أنه سحر، وتعلمون ذلك، كأنهم قالوا: تضلون على بينة ومعرفة، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم وللناس جميعا: ربي يعلم القول في السماء والأرض ، أي: يعلم أقوالكم هذه وهو بالمرصاد في المجازاة عليها.

وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : "قل ربي"، وقرأ حمزة ، والكسائي : "قال ربي" على معنى الخبر عن نبيه صلى الله عليه وسلم، واختلف عن عاصم ، قال الطبري رحمه الله: وهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار.

التالي السابق


الخدمات العلمية