الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر ثكلتك أمك عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى إذا كنت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي قال فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ إنا فتحنا لك فتحا مبينا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          476 478 - ( مالك عن زيد بن أسلم ) العدوي مولاهم المدني ( عن أبيه ) أسلم مولى عمر ، ثقة ، مخضرم ، مات سنة ثمانين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة ( أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان يسير في بعض أسفاره ) هو سفر الحديبية كما في حديث ابن مسعود عند الطبراني ، قال ابن عبد البر : هذا الحديث مرسل إلا أنه محمول على الاتصال ; لأن أسلم رواه عن عمر ، وقد رواه جماعة عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر موصولا ، انتهى .

                                                                                                          وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن مالك به ، قال الحافظ : هذا السياق صورته الإرسال ; لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة لكنه محمول على أنه سمعه من عمر لقوله في أثنائه : قال عمر : فحركت بعيري .

                                                                                                          وقد جاء من طريق أخرى : سمعت عمر . أخرجه البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك ، ثم قال : لا نعلم رواه عن مالك هكذا إلا ابن عثمة وابن غزوان ، ورواية ابن غزوان أخرجها أحمد عنه ، وأخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق محمد بن حرب ، ويزيد بن أبي حكيم ، وإسحاق الحنيني كلهم عن مالك على الاتصال

                                                                                                          ( وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا ) ففيه إباحة السير على الدواب ليلا ، وحمله العلماء على من لا يمشي بها نهارا ، أو قل مشيه بها نهارا ; لأنه ، صلى الله عليه وسلم ، أمر بالرفق بها والإحسان إليها قاله أبو عمر .

                                                                                                          ( فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ) لاشتغاله ، صلى الله عليه وسلم ، بالوحي ( ثم سأله ) ثانيا ( فلم يجبه ، ثم سأله ) ثالثا ( فلم يجبه ) ولعله ظن أنه لم يسمعه ( فقال عمر : ثكلتك ) بفتح المثلثة وكسر الكاف ، أي فقدتك ( أمك ) يا ( عمر ) فهو منادى بحذف الياء ، وثبتت في رواية : دعا على نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح خوف غضبه وحرمان فائدته

                                                                                                          قال أبو عمر فما غضب عالم إلا حرمت فائدته

                                                                                                          قال ابن الأثير دعا على نفسه بالموت والموت يعم كل [ ص: 18 ] أحد ، فإذا : الدعاء كلا دعاء ( نزرت ) بفتح النون والزاي مخففة فراء ساكنة ( رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) أي ألححت عليه وبالغت في السؤال ، أو راجعته أو أتيته بما يكره من سؤالك . وفي رواية بتشديد الزاي ، وهو على المبالغة ، أي أقللت كلامه إذ سألته ما لا يحب أن يجيب عنه ، والتخفيف هو الوجه ، قال الحافظ أبو ذر الهروي : سألت عنه ممن لقيت أربعين فما قرؤه قط إلا بالتخفيف ( ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك ) ففيه أن سكوت العالم يوجب على المتعلم ترك الإلحاح عليه ، وإن له أن يسكت عما لا يريد أن يجيب فيه ( قال عمر : فحركت بعيري حتى إذا كنت أمام ) بالفتح ، قدام ( الناس وخشيت أن ينزل في ) بشد الياء ( قرآن فما نشبت ) بفتح النون وكسر المعجمة وسكون الموحدة ففوقية ، فما لبثت وما تعلقت بشيء ( أن سمعت صارخا ) لم يسم ( يصرخ بي قال ) عمر ( فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ) قال أبو عمر : أرى أنه ، صلى الله عليه وسلم ، أرسل إلى عمر يؤنسه ، ويدل على منزلته عنده ( قال ) عمر : ( فجئت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فسلمت عليه فقال ) بعد رد السلام ( لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة لهي ) بلام التأكيد ( أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ) لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح وغيرهما ، وأفعل قد لا يراد بها المفاضلة ( ثم قرأ : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) قال ابن عباس وأنس والبراء : هو فتح الحديبية ووقوع الصلح . قال الحافظ : فإن الفتح لغة فتح المغلق ، والصلح كان مغلقا حتى فتحه الله ، وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت ، فكانت الصورة الظاهرة ضيما للمسلمين ، والباطنة عزا لهم ، فإن الناس للأمن الذي وقع فيهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير ، وأسمع المسلمون المشركين القرآن وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين ، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية فظهر من كان يخفي إسلامه ، فذل المشركون من حيث أرادوا العزة وقهروا من حيث أرادوا الغلبة ، وقيل : هو فتح مكة ، نزلت مرجعه من الحديبية عدة له بفتحها ، وأتي به ماضيا لتحقق وقوعه ، وفيه من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر به ما لا يخفى ، وقيل : المعنى قضينا لك قضاء بينا على أهل مكة أن تدخلها أنت وأصحابك قابلا من الفتاحة وهي الحكومة ، والحق أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات فالمراد بقوله تعالى : ( إنا فتحنا لك ) ( سورة الفتح : الآية 1 ) فتح الحديبية لما ترتب على الصلح من الأمن ورفع الحرب ، وتمكن من كان يخشى الدخول [ ص: 19 ] في الإسلام والوصول إلى المدينة منه ، وتتابع الأسباب إلى أن كمل الفتح ، وأما قوله : وأثابهم فتحا قريبا فالمراد فتح خيبر على الصحيح ; لأنها هي التي وقع فيها مغانم كثيرة للمسلمين

                                                                                                          وأما قوله : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ( سورة النصر : الآية 1 ) ، وقوله : " لا هجرة بعد الفتح " ففتح مكة باتفاق فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال ، انتهى .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : أدخل مالك هذا الحديث في باب ما جاء في القرآن تعريفا بأنه ينزل في الأحيان على قدر الحاجة وما يعرض ، انتهى . ولإفادة أن منه ليلي . ورواه البخاري في المغازي عن عبد الله بن يوسف ، وفي التفسير عن عبد الله بن مسلمة القعنبي كلاهما عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية