الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        فصل .

        نظر الإمام في فروع الدين .

        287 - فأما القول في ذكر تفاصيل نظر الإمام في فروع الدين فهذا مما يتسع فيه الكلام ، وتكثر الأقسام ، ونحن بعون الله تعالى لا نقصر في التقريب ، وتحسين الترتيب ، والنظم البديع العجيب ، فذو البيان من إذا تبدد المقصد وانتشر ، لأم الأطراف وضم النشر ، وإذا ضاق نطاق النطق ، استطال بعذبة لسانه ، وعبر عن غاية المقصود بأدنى بيانه .

        288 - فأقول : قد يبتدر إلى ظن المنتهي إلى هذا الموضع أني أريد بما أفتتحه تفصيل تصرفات الإمام في فروع الشريعة ، وليس الأمر كذلك ; فإن الغرض الآن بيان ما يتعلق بالعبادات البدنية ، ليتلو القول فيها ما سبق تقريره في أصل [ ص: 198 ] الدين ، وينتظم أصل الدين بفرعه ، وذكر ما يتعلق بالأئمة في المعاملات والتصرفات المالية سيأتي في القسم الثاني المشتمل على ذكر نظر الإمام في أحكام الدنيا .

        فنعود إلى المقصود الناجز ; ونقول :

        289 - العبادات البدنية التي تعبد الله بها المكلفين ، لا تتعلق صحتها بنظر الإمام ، وإذا أقامها المتعبدون على شرائطها وأركانها في أوقاتها وأوانها ، صحت ووقعت موقع الاعتداد . وقد زل من شرط في انعقاد الجمعة تعلقها بإذن الإمام . واستقصاء القول في ذلك مطلوب من علم الشريعة .

        فإن قيل : ما وجه ارتباط العبادات بنظر الإمام ؟ .

        290 - قلنا : ما كان منها شعارا ظاهرا في الإسلام ، تعلق به نظر الإمام .

        وذلك ينقسم إلى : ما يرتبط باجتماع عدد كبير ، وجم غفير ، كالجمع والأعياد ومجامع الحجيج .

        [ ص: 199 ] ما لا يتعلق باجتماع ، كالأذان وعقد الجماعات فيما عدا الجمعة من الصلوات .

        فأما ما يتعلق بشهود جمع كبير ، فلا ينبغي للإمام أن يغفل عنه ، فإن الناس إذا كثروا عظم الزحام ، وجمع المجمع أخيافا ; وألف أصنافا ، خيف في مزدحم القوم أمور محذورة .

        فإذا كان منهم ذو نجدة وبأس ، يكف عادية إن هم بها معتدون كان الجمع محروسا ، ودرأت هيبة الوالي ظنونا وحدوسا ، ولذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة أبا بكر - رضي الله عنه - على الحجيج ، ثم استمرت تلك السنة في كل سنة ، فلم يخل حج عن إمام ، أو مستناب من جهة إمام ، ولذلك صدر الخلفاء مياسير الأمراء ، وذوي الألوية بإقامة الجمع ، فإنها تجمع الجماعات ، وهي إن لم تصن عرضة الفتن والآفات .

        [ ص: 200 ] فهذا وجه نظر الإمام في الشعار الذي يجمع جمعا كثيرا .

        291 - فأما الشعار الظاهر الذي لا يتضمن اجتماع جماعات ، فهو كالأذان وإقامة الجماعات في سائر الصلوات ، فإن عطل أهل ناحية الأذان والجماعات ، تعرض لهم الإمام ، وحملهم على إقامة الشعار ، فإن أبوا ففي العلماء من يسوغ للسلطان أن يحملهم عليه بالسيف ، ومنهم من لم يجوز ذلك ، والمسألة مجتهد فيها ، وتفصيلها موكول إلى الفقهاء .

        292 - فأما ما لم يكن شعارا ظاهرا من العبادات البدنية ، فلا يظهر تطرق الإمام إليه إلا أن ترفع إليه واقعة فيرى فيها رأيه .

        مثل أن ينهى إليه أن شخصا ترك صلاة متعمدا من غير عذر ، وامتنع عن قضائها . فقد نرى قتله على رأي الشافعي - رضي الله عنه - أوحبسه وتعذيبه على رأي الآخرين .

        فهذا مجموع القول فيما يتعلق بالأئمة من أصل الدين وفروعه .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية