الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 201 ] ب - نظر الإمام في الأمور المتعلقة بالدنيا .

        خطة وترتيب .

        293 - فأما ما يتعلق بالأئمة من أحكام الدنيا فنقدم فيه أولا ترتيبا ضابطا يطلع على غرض كلي ، ويفيد الناظر العلم بانحصار القضايا المتعلقة بالأئمة ، ثم نخوض في إيضاح الأقسام على حسب ما يقتضيه هذا الكتاب ، فنقول :

        على الإمام بذل كنه الاجتهاد في ابتغاء الازدياد في خطة الإسلام . والسبيل إليه الجهاد ومنابذة أهل الكفر والعناد ، وعليه القيام بحفظ الخطة ، فالتقسيم الأولي الكلي طلب ما لم يحصل ، وحفظ ما حصل .

        294 - والقول في حفظ ما حصل ينقسم إلى حفظه عن الكفار ، وإلى حفظ أهله عن التواثب والتغالب ، والتقاطع والتدابر والتواصل .

        فأما حفظ الخطة عن الكفار ، فهو بسد الثغور ، وإقامة الرجال على المراصد . على ما سيأتي الشرح عليه .

        295 - وأما حفظ من تحويه الخطة فينقسم إلى ما يتعلق بمراتب الكليات وعلى ما يتعلق بالجزئيات .

        [ ص: 202 ] 296 - فأما ما يتعلق بأمر كلي ، فهو نقض بلاد الإسلام عن أهل الغرامة ، والمتلصصين والمترصدين للرفاق ، فيجب على الإمام صرف الاهتمام إلى ذلك حتى تنتفض البلاد عن كل غائلة ، وتتمهد السبل للسابلة .

        297 - وأما ما يرتبط بالجزئيات ، فتحصره ثلاثة أقسام : أحدها : فصل الخصومات الثائرة ، وقطع المنازعات الشاجرة ، وهذا يناط بالقضاة والحكام .

        وإنما عددنا ذلك من الجزئيات ، فإن الحكومات تنشأ من الآحاد والأفراد ، والغوائل من المتلصصين وقطاع الطرق تثبت باجتماع أقوام .

        ثم إذا رتب السلطان بحسم موادهم رجالا ، لم [ ص: 203 ] يثوروا ، فيكون ذلك نظرا كليا في كفاية أهم الأشغال . وتصدي القضاة لفصل الخصومات لا يحسم ثوران الخصومة ، بل إذا ثارت فصلها الحكام .

        298 - والقسم الثاني : في نظره الجزئي في حفظ المراشد على أهل الخطة . يكون بإقامة السياسات والعقوبات الزاجرة من ارتكاب الفواحش والموبقات .

        299 - والقسم الثالث : القيام على المشرفين على الضياع بأسباب الصون والحفظ والإنقاذ وهذا يتنوع نوعين : أحدهما : بالولاية على من لا ولي له من الأطفال والمجانين في أنفسهم وأموالهم .

        والثاني : في سد حاجات المحاويج .

        300 - فهذه جوامع ما يرعى به الإمام من في الخطة .

        ثم لا يتأتى الاستقلال بهذا المنصب إلا بنجدة عظيمة تطبق [ ص: 204 ] الخطة وتفضل عنها ، فتتقاذف إلى بلاد الكفار ، والنجدة بالرجال ، ويرتب الرجال بالعدد والأموال .

        301 - والأموال التي تمتد يد الإمام إليها قسمان : أحدها : مالا يتعين مصارفه .

        والثاني ما لا يتخصص بمصارف مضبوطة ، بل يضاف إلى عامة المصالح .

        فأما ما يتعين مصرفه فالزكوات ، وأربعة أخماس الفيء ، وأربعة أخماس خمس الفيء ، وأربعة أخماس خمس الغنيمة . وأربعة أخماس الغنيمة ، فهذه الأموال لها مصارف معلومة مستقصاة في كتب الفقه ، وقد نرمز إليها في تفصيل الكلام .

        وأما المال الذي يعم وجوه الخير ، وهو الذي يسميه الفقهاء [ ص: 205 ] المرصد للمصالح ، فهو خمس خمس الفيء ، وخمس خمس الغنيمة ، وينضم إليها تركة من مات من المسلمين ، ولم يخلف وارثا خاصا ، وكذلك الأموال الضائعة التي أيس من معرفة مالكها كما سنذكرها .

        فهذه مآخذ الأموال التي يقتضيها الإمام ويصرفها إلى مصارفها . وقد نجز التقسيم المحتوي الضابط على ما يناط بالأئمة من مصالح الدنيا ، وقد تقدم استقصاء القول فيما يتعلق به من أمور الدين .

        302 - والآن نرجع إلى تفصيل هذه الأقسام على ما يليق بمقصود هذا الكتاب ، وإن تعلقت أطراف الكلام بأحكام فقهية ، أحلناها على كتب الفقه ، فإنا لم نخض في تأليف هذا وغرضنا تفاصيل الأحكام ; وإنما حاولنا تمهيد الإيالات الكلية . ثم كتب الفقه عتيدة لمن أرادها .

        303 - والعجب لمن صنف الكتاب المترجم بالأحكام السلطانية .

        [ ص: 206 ] حيث ذكر جملا في أحكام الإمامة في صدر الكتاب ، واقتصر على نقل المذاهب ، ولم يقرن المختار منها بحجاج وإيضاح منهاج به اكتراث ، وأحسن ما فيه ترتيب أبواب ، وذكر تقاسيم وألقاب ، ثم ليس لتقاسيمه صدر عن دراية وهداية إلى درك منشأ الأقسام عن قواعدها وأصولها ، وجرى له اختباط وزلل كثير في النقل ، ثم ذكر كتبا من الفقه فسردها سردا وطردها على مسالك الفقهاء طردا ، ولم يأت بها منقحا موضحا على طرق الفقهاء ، فذكر طرفا من كتاب السير ، وقتال أهل البغي ، وأدب القضاة ، وقسم الفيء والغنائم .

        ولم أذكر ما ذكرته غايبا ثالبا ، بل ذكرته تمهيدا لعذري أن قبضت الكلام في غير مقصود الكتاب ، وأحلته على فن الفقه .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية