الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 236 ] وسأله آخر هنالك عن أمه ، فقال إنها عجوز كبيرة ، فإن حملتها لم تستمسك ، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها ، فقال : " أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه ؟ قال : نعم . قال : فحج عن أمك " .

فلما أتى بطن محسر ، حرك ناقته وأسرع السير ، وهذه كانت عادته في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه ، فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل ما قص الله علينا ، ولذلك سمي ذلك الوادي وادي محسر ؛ لأن الفيل حسر فيه ، أي أعيي وانقطع عن الذهاب إلى مكة ، وكذلك فعل في سلوكه الحجر ديار ثمود ، فإنه تقنع بثوبه ، وأسرع السير .

ومحسر : برزخ بين منى وبين مزدلفة ، لا من هذه ولا من هذه .

وعرنة : برزخ بين عرفة والمشعر الحرام ، فبين كل مشعرين برزخ ليس منهما .

فمنى : من [ ص: 237 ] الحرم ، وهي مشعر ، ومحسر : من الحرم ، وليس بمشعر ، ومزدلفة : حرم ومشعر ، وعرنة ليست مشعرا ، وهي من الحل . وعرفة : حل ومشعر .

وسلك - صلى الله عليه وسلم - الطريق الوسطى بين الطريقين ، وهي التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى منى ، فأتى جمرة العقبة ، فوقف في أسفل الوادي ، وجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، واستقبل الجمرة ، وهو على راحلته فرماها راكبا بعد طلوع الشمس ، واحدة بعد واحدة ، يكبر مع كل حصاة ، وحينئذ قطع التلبية .

وكان في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي ، ورمى بلال وأسامة معه أحدهما آخذ بخطام ناقته ، والآخر يظلله بثوب من الحر . وفي هذا : دليل على جواز استظلال المحرم بالمحمل ونحوه ، إن كانت قصة هذا الإظلال يوم النحر ثابتة ، وإن كانت بعده في أيام منى فلا حجة فيها ، وليس في الحديث بيان في أي زمن كانت . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية