الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ درس ] ( وحرم به ) أي الإحرام بحج ، أو عمرة ولو خارج الحرم ( وبالحرم ) أي حرم مكة ( حد الحرم ) ولو لغير محرم والحرم ( من نحو المدينة أربعة أميال ، أو خمسة ) على الخلاف في ذلك وعلى كل ينتهي ( للتنعيم ) وهو المسمى الآن بمساجد عائشة يعني أن الأربعة أميال أو الخمسة مبتدأة من البيت منتهية إلى التنعيم من جهة المدينة وكذا يقال فيما بعده ( ومن ) جهة ( العراق ثمانية ) وينتهي ( للمقطع ) اسم مكان أي تثنية جبل بمكان يسمى المقطع بفتح الميم والطاء وسكون القاف وبضم الميم وفتح القاف والطاء المشددة ( ومن ) جهة ( عرفة تسعة ) ، أو ثمانية [ ص: 72 ] وينتهي للجعرانة ( ومن جدة ) بضم الجيم اسم قرية ( عشرة لآخر الحديبية ) بتشديد الياء وضبطها الشافعي بالتخفيف ولما بين حده بالمساحة ( الحرم ) بينه بالعلامة بقوله ( ويقف سيل الحل دونه ) إذا جرى لجهته ولا يدخله لعلوه عن الحل ( تعرض ) لحيوان ( بري ) فاعل حرم وما بينهما اعتراض أي حرم به وبالحرم تعرض بضم الراء مشددة لحيوان بري بفتح الباء ويدخل فيه السلحفاة والضفدع البريان والجراد لا الكلب الإنسي ويباح البحري ( وإن تأنس ) البري أي صار كالحيوان الإنسي بأن خرج عن طباع الوحش وألف الناس ( أو لم يؤكل ) كخنزير وقرد ولو مملوكا ويقوم للجزاء على تقدير جواز بيعه ( أو ) كان البري ( طير ماء ) أي يألف الماء ويلازمه ويعيش بالبر ( وجزئه ) أي بعضه فكما يحرم التعرض لكله يحرم لبعضه كذنبه وأذنه وريشه ( وبيضه ) ولما كان التعرض للصيد حراما ولو باعتبار الدوام نبه على حكمه بقوله ( وليرسله ) وجوبا إذا كان مملوكا له قبل الإحرام وكان ( بيده أو ) بيد ( رفقته ) الذين معه في قفص ، أو غيره فإن لم يرسله وتلف وداه وأما إذا كان مملوكا لغيره فلا يجب عليه إرساله منهم ، وإن وجب عليه الأمر بذلك ; لأنه من باب الأمر بالمعروف ( و ) إذا أرسله ( زال ملكه عنه ) حالا ومآلا فلو أخذه أحد قبل لحوقه بالوحش فقد ملكه وليس لربه الأصلي أخذه منه ( لا ) إن كان الصيد حال إحرامه ( ببيته ) فلا يرسله وملكه باق ( وهل ) عدم وجوب إرساله وعدم زوال ملكه مطلقا ( وإن أحرم منه ) أي من بيته وهو المعتمد أو محله إن لم يحرم منه وإلا وجب إرساله ( تأويلان ) [ ص: 73 ] والفرق على الأول بين البيت والقفص مثلا أن القفص حامل له وينتقل بانتقاله ، والبيت مرتحل عنه وغير مصاحب له ، وإذا حرم التعرض للبري ( فلا يستجد ملكه ) لا بشراء ولا بقبوله هبة أو صدقة ، أو إقالة وأما دخوله في ملكه جبرا كالميراث والمردود بعيب فإنه يدخل في قوله وليرسله ( ولا يستودعه ) بالبناء للمفعول أي لا يقبله من الغير وديعة فإن قبله رده لصاحبه إن كان حاضرا وإلا أودعه عند غيره إن أمكن ، وإلا أرسله وضمن قيمته ( ورد ) الصيد المودع عنده قبل الإحرام ( إن وجد مودعه ) بالكسر ولم يقل " ربه " مع أنه أخصر ليشمل وكيله فإن لم يجده أودعه عند حلال إن أمكنه ( وإلا ) يجد ربه ولا حلالا يودعه عنده ( بقي ) بيده ولا يرسله ; لأنه قبله في وقت يجوز له فإن أرسله ضمن قيمته فليس قوله " ورد " مفرعا على ما قبله لتغاير التصوير كما علمت ( في صحة شرائه ) أي شراء المحرم الصيد من حلال ويرسله ويضمن ثمنه على الأظهر فلو رده لصاحبه لزمه جزاؤه وفساده ولزمه رده للبائع ( قولان ) .

التالي السابق


. ( قوله : وحرم به وبالحرم ) الباء الأولى للسببية والثاني للظرفية . ( قوله : على الخلاف في ذلك ) هذا الخلاف مبني على الخلاف في قدر الميل وفي قدر الذراع هل هو ذراع الآدمي ، أو ذراع البز المصري ، والثاني أكبر من الأول ا هـ عدوي . ( قوله : ينتهي ) أي الحرم للتنعيم بخروج الغاية ; لأن التنعيم من الحل لما مر من أن مريد العمرة يحرم منه وما في التوضيح عن النوادر من أن حد الحرم مما يلي المدينة نحو أربعة أميال إلى منتهى التنعيم ا هـ . معناه إلى منتهاه لمن أتى من ناحية المدينة وهو مبدؤه للخارج من مكة فهي خارجة عن الحرم ا هـ . بن والحاصل أن الخارج من مكة للمدينة يحرم عليه التعرض للصيد إلى مبدأ التنعيم ، والخارج من المدينة لمكة يجوز له التعرض للصيد إلى منتهى التنعيم من جهة مكة فيحرم عليه التعرض للصيد فالتنعيم يجوز فيه الصيد لمن خرج من مكة يريد المدينة ولمن جاء من المدينة يريد مكة . ( قوله : للمقطع ) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الطاء وبضم الميم وفتح [ ص: 72 ] القاف وتشديد الطاء : وهو جبل ، قيل : سمي ذلك الجبل بالمقطع لقطع الحجر منه لبناء البيت . ( قوله : وينتهي للجعرانة ) هذا غير صحيح ; إذ ليست الجعرانة من جهة عرفة وصوابه لو قال وينتهي إلى عرفة كما في ابن غازي وأما حد الحرم من جهة الجعرانة فهو كما في مناسك المؤلف تسعة أميال أيضا إلى موضع سماه التادلي شعب آل عبد الله بن خالد ا هـ بن . ( قوله : لآخر الحديبية ) أي من جهة الحل وإلا فالحديبية من الحرم وهي قرية صغيرة بينها وبين مكة مرحلة واحدة وهي المعروفة الآن بحدة بالحاء المهملة . ( قوله : ويقف سيل الحل دونه ) أي وأما سيله إذا جرى لجهة الحل فإنه ينزل فيه . ( قوله : تعرض لحيوان بري ) أي والحال أنه متوحش فلا يجوز اصطياده ولا التسبب في اصطياده وقولنا والحال أنه متوحش خرج الإوز والدجاج وخرج بالبري الحيوان البحري فإنه يجوز للمحرم اصطياده لقوله تعالى { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة } . ( قوله : ويدخل فيه ) أي في الحيوان البري الذي يحرم التعرض له السلحفاة إلخ . ( قوله : لا الكلب ) أي ولا يدخل في الحيوان البري الذي يحرم التعرض له الكلب الإنسي ; لأنه وإن كان حيوانا بريا لكن ليس مما يحرم التعرض له لا على المحرم ولا في الحرم ; لأن قتله جائز بل يندب على المشهور مطلقا فاندفع ما يقال كان الأولى أن يقول وليس من الصيد الكلب إلخ و إلا فهو حيوان بري قطعا تأمل . ( قوله : وإن تأنس ) أي هذا إذا استمر على توحشه بل وإن تأنس . ( قوله : أو لم يؤكل ) عطف على ما في حيز إن أي وإن لم يؤكل وفيه رد على الشافعي القائل إنه إنما يحرم التعرض للمأكول . ( قوله : ويقوم ) أي غير المأكول . ( قوله : ويعيش في البر ) أي لكونه من حيوانات البر وليس المراد بطير الماء ما يطير من حيوانات البحر لأن هذا سمك يجوز صيده للمحرم . ( قوله : وجزئه ) عطف على حيوان بري . ( قوله : أي بعضه ) أشار الشارح بهذا إلى أن " جزء " في المتن يقرأ بالزاي المعجمة وهو الذي ارتضاه ح واستدل له بقول المناسك : ويحرم التعرض لأبعاض الصيد وبيضه ا هـ وقد يبحث في هذه النسخة بأن الجزء مستغنى عن ذكره ; لأنه إن فرض متصلا فالتعرض له تعرض للكل أي الحيوان البري ، وإن فرض منفصلا فإما ميتة بأن كان ذكاه محرم ، أو حلال في حرم ، أو كان بلا ذكاة فهذا يأتي ، وإما أن لا يكون ميتة فلا يحرم التعرض له أي أكله ، وضبطه ابن غازي " وجروه " بالراء والواو أي أولاده وقد يقال ذكر الجرو مستغنى عنه بقوله وبيضه ; لأنه إذا حرم التعرض للبيض فأولى جروه تأمل . ( قوله : وليرسله ) جملة مستأنفة لا معطوفة لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر وهي جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل له أنت قد ذكرت حرمة التعرض للبري إذا لم يكن معه قبل الإحرام فما حكمه إذا كان معه فقال وليرسله إلخ . ( قوله : في قفص ) راجع لقوله وكان بيده ولقوله ، أو كان بيد رفقته . ( قوله : وتلف ) أي قبل إرساله ديته أي وبعد إحرامه . ( قوله : وداه ) أي دفع ديته أي جزاءه . ( قوله : فلو أخذه أحد ) أي بعد إفلاته ، وقوله : قبل لحوقه بالوحش إلخ ، وأولى لو أخذه بعد لحوقه بها وهذا مفرع على زوال ملكه عنه مآلا ويتفرع على زوال ملكه عنه حالا أنه لو أفلته أحد من يده لم يضمن . ( قوله : وليس لربه الأصلي ) أي إذا فرغ من إحرامه وخرج للحل . ( قوله : أو محله إن لم يحرم منه ) أي بأن أحرم من الميقات . ( قوله : وإلا وجب إرساله ) أي وزوال ملكه عنه . ( قوله : تأويلان ) الأول للتونسي وابن يونس والثاني نقله ابن يونس عن بعض الأصحاب وهما على قولها ومن أحرم وفي بيته صيد فلا شيء عليه فيه ولا [ ص: 73 ] يرسله ولا يزول ملكه عنه ا هـ بن والمعتمد من التأويلين الأول كما قال الشارح . ( قوله : والفرق إلخ ) جواب عما يقال لأي شيء قلتم إذا كان الصيد في بيته حال إحرامه فلا يرسله مطلقا وإن كان معه في قفص حال إحرامه وجب عليه إرساله وأي فرق بين كونه في البيت وكونه في القفص . ( قوله : وينتقل بانتقاله ) أي وحينئذ فالصيد الذي فيه كالصيد الذي في يده . ( قوله : فلا يستجد إلخ ) مفرع على قوله حرم تعرض بري كما أشار له الشارح لا على قوله وليرسله بيده ولا على قوله وزال ملكه عنه لأنه لا فائدة فيه ; لأن وجوب الإرسال وزوال الملك كاف في إفادة النهي عن تجدد ملكه وحينئذ فلا حاجة لتفريعه عليه بخلاف النهي عن التعرض له فلا يفيد النهي عن تجدد الملك فلهذا فرعه عليه ا هـ عدوي ثم إن السين والتاء زائدتان لتأكيد النهي والمعنى أنه ينهى نهيا مؤكدا عن تجديد ملك الصيد أي إحداث ملكه ما دام محرما لا للطلب ; لأن المراد النهي عن تجدد الملك لا عن طلب تجدده ومحل النهي عن استحداث المحرم ملك الصيد بشراء أو قبول هبة إلخ إذا كان الصيد حاضرا وأما إن كان غائبا فإنه يجوز . ( قوله : فإنه يدخل إلخ ) حاصله أنه إذا مات مورث المحرم عن صيد فإن ذلك الصيد يدخل في ملك المحرم جبرا ويجب عليه إرساله بعد دخوله في ملكه بالحكم وكذا إذا باع صيدا قبل إحرامه فرده عليه المشتري بعد إحرامه بعيب فإنه يرد إليه إلزاما بالحكم ويجب عليه إرساله وأما لو وجد المحرم عيبا في صيد اشتراه قبل إحرامه فإنه يرجع بالأرش على البائع ويرسله ، وإحرامه يفيت رده . ( قوله : أي لا يقبله من الغير وديعة ) أي سواء كان ذلك الغير حلالا ، أو محرما . ( قوله : رده لصاحبه ) أي وجب عليه رده لصاحبه واعلم أن ما ذكره الشارح من التفصيل هو المتعين كما في ح وكلام التوضيح يوهم أنه إذا قبله يوجب إرساله بلا تفصيل ونقله ابن غازي والشارح بهرام وسلماه وليس كذلك انظر بن .

( تنبيه ) قوله : رده لصاحبه فإن أبى ربه من قبوله كان محرما ، أو لا أرسله المحرم بحضرته ولا شيء عليه سواء تيسر رفعه للحاكم أم لا . ( قوله : وإلا أودعه ) أي وإلا بأن كان غائبا أودعه إلخ . ( قوله : وضمن قيمته ) أي لربه ومحل هذا التفصيل إذا كان ربه حلالا حين الإيداع ولو طرأ إحرامه بعد مفارقة المودع وذلك لأن الإحرام لا يزيل الملك عما غاب من الصيد وأما لو كان ربه محرما حين الإيداع فإن المودع يرسله ولو مع حضوره لزوال ملكه عنه ولا يطالب برده ليرسله ا هـ عدوي . ( قوله : إن وجد مودعه ) أي حلالا أو محرما . ( قوله : فليس قوله " ورد " مفرعا على ما قبله ) أي بحيث يقال إن المعنى فإن ارتكب الحرمة وقبله وهو محرم رده إن وجد صاحبه ، وإلا فلا . ( قوله : لتغاير التصوير ) لأن إبقاءه من غير إرسال إذا لم يجد ربه ولم يجد من يودع له عنده إنما هو فيما إذا قبله قبل إحرامه وأما إذا قبله بعد إحرامه ولم يجد ربه ولم يجد من يودعه عنده وجب إرساله ولا يجوز له إبقاؤه واعلم أن صور هذه المسألة تسع وذلك لأنه :

إما أن يودعه حلال عند حلال ، ثم يحرم المودع بالفتح ، أو يودعه حلال عند محرم ، أو يودعه محرم عند محرم فهذه ثلاثة أحوال وفي كل منها إما أن يجد المودع - بالفتح - رب الصيد ، وإما أن لا يجده لكن يجد حلالا يودعه عنده ، وإما أن لا يجد ربه ولا من يودعه عنده فالمجموع تسع تفهم أحكامها مما تقدم . ( قوله : وفي صحة شرائه إلخ ) حاصله أنه تقدم أنه لا يجوز للمحرم أن يستجد ملكا للصيد فلو وقع واشترى المحرم صيدا من حلال فهل العقد صحيح وهو قول ابن حبيب أو فاسد وهو ما في الموازية وعلى الأول فيضمن ثمنه لبائعه ويجب عليه إرساله وعلى الثاني فلا يلزمه ثمنه ولا إرساله ويلزمه رده لبائعه ; لأنه بيع فاسد لم يفت . ( قوله : من حلال ) أي وأما من محرم فهو فاسد اتفاقا فلا يلزمه ثمنه ويلزمه رده لبائعه ليرسله . ( قوله : على الأظهر ) أي كما قاله ح خلافا لما قاله سند من أنه على القول بالصحة يضمن المشتري المحرم للبائع قيمته لا ثمنه وعليه فيقال لنا بيع صحيح يضمن [ ص: 74 ] بالقيمة .




الخدمات العلمية