الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما قدم من أركان الوقف الأربعة ركنين الأول بطريق اللزوم وهو الواقف وشرطه أهلية التبرع لا مكرها أو مولى عليه ، والثاني تصريحا وهو الموقوف بقوله " مملوك " وشرطه أن لا يتعلق به حق الغير فلا يصح وقف مرهون ومؤجر وعبد جان حال تعلق حق الغير به ذكر الثالث وهو الموقوف عليه بقوله ( على أهل التملك ) حقيقة كزيد والفقراء ، أو حكما كمسجد ورباط وسبيل ( كمن سيولد ) مثال للأهل أي ولو كانت الأهلية ستوجد فيصح الوقف وتوقف الغلة إلى أن يوجد فيعطاها ما لم يحصل مانع من الوجود كموت ويأس منه فترجع الغلة للمالك ، أو ورثته إذا مات ( و ) على ( ذمي وإن لم تظهر قربة ) كعلى أغنيائهم والأظهر أن المبالغة راجعة لأصل الباب لا لخصوص الذمي فلو قال ، وإن لم تظهر قربة كذمي كان أحسن ( أو يشترط ) عطف على لم تظهر ولو عبر بالماضي كان أحسن أي يصح الوقف ، وإن اشترط الواقف ( تسليم غلته ) له ( من ناظره ) [ ص: 78 ] ( ليصرفها ) الواقف على مستحقها ومفهوم ليصرفها أنه لو شرط أخذها من الناظر ليأكلها أنه لا يصح الشرط بل يلغى ويصح الوقف كذا ينبغي وإن أوهم المصنف خلافه ( أو ) كان الموقوف ( ككتاب ) على طلبة علم من كل ما لا غلة له كسلاح وفرس لغزو ودابة لحمل ، أو ركوب ( عاد ) ولو قبل عام ( إليه ) أي إلى الواقف لينتفع به كغيره أو ليحفظه ( بعد صرفه ) له ( في مصرفه ) فإنه يصح ولا يبطل فإن صرف البعض وعاد له فما صرفه صح وما لا فلا لعدم الحوز الذي هو شرط في صحة الوقف ويكون ميراثا وأما ما له غلة كربع وحائط وحانوت يحبسه في صحته وكان يكريه ويفرق غلته على مستحقيه كل عام مثلا ولم يخرجه من يده قبل المانع كالموت حتى حصل المانع بطل وقفه لعدم الحوز وأما ما حبسه في المرض ، أو أوصى به للمساكين ، أو جعله صدقة ولم يخرجه من يده حتى مات فإنه ينفذ من الثلث إن كان لغير وارث .

التالي السابق


( قوله : أهلية التبرع ) أي بأن يكون رشيدا طائعا . ( قوله : حال تعلق حق الغير به ) أي بأن أراد الواقف وقف ما ذكر من الآن مع كونه مرتهنا ، أو مستأجرا وأما لو وقف ما ذكر قاصدا بوقفها من الآن أنها بعد الخلاص من الرهن والإجارة تكون وقفا صح ذلك إذ لا يشترط في الوقف التنجيز . ( قوله : مثال للأهل ) أي مثال لمن يكون أهلا للتملك بعد الإيقاف ويعلم منه بالأولى صحة الوقف على من كان أهلا للتملك حين الوقف . ( قوله : فيصح الوقف ) أي إلا أنه غير لازم بمجرد عقده بل يوقف لزومه كغلته إلى أن يوجد فيعطاها ويلزم وعلى هذا فللمحبس بيع ذلك الوقف قبل ولادة المحبس عليه كما يأتي في قوله كعلى ولدي ولا ولد له ابن عرفة : وفي لزومه بعقده على من يولد قبل ولادته قولا ابن القاسم ومالك انظر ح .

( قوله : وعلى ذمي ) أي وصح وقف من مسلم على من تحت ذمتنا ، وإن لم يكن كتابيا وهو عطف على مدخول الكاف إذ هو من جملة الأمثلة وليس عطفا على " أهل " كما هو ظاهر صنيع الشارح لئلا يقتضي أن الذمي ليس أهلا للتملك لأن العطف يقتضي المغايرة وليس كذلك إلا أن يجعل من عطف الخاص على العام . ( قوله : وإن لم تظهر قربة ) أي هذا إذا ظهرت القربة في الوقف عليه بأن كان فقيرا قريبا للواقف بل وإن لم تظهر قربة كالواقف على الأغنياء الأجانب من الوقف ونفى المصنف ظهور القربة دون أصلها إشارة إلى أنه لا بد في الوقف أن يكون فعل خير وقربة فالوقف على شربة الدخان باطل ، وإن قلنا بجواز شربه . ( قوله : لا لخصوص الذمي ) أي كما هو المتبادر من كلام المصنف . ( قوله : عطف على لم تظهر ) أي فالمعنى هذا إذا لم يشترط الواقف على الناظر أن يسلم له غلة الوقف بل ، وإن شرط عليه أن يسلمها له ليصرفها على مستحقيها ولا يصح عطفه على مدخول لم لفساد المبالغة ولعدم ظهور فائدة [ ص: 78 ] قوله : ليصرفها الواقف على مستحقيها ) أي لأن قبض الواقف الغلة لا يبطل حوز الناظر للوقف . ( قوله : أو كان الموقوف إلخ ) عطف على لم تظهر قربة وقوله : ككتاب أي محبوك ، أو لا جزء واحد ، أو أجزاء . ( قوله : على طلبة علم ) أفاد بهذا أن المسألة مفروضة في الوقف على غير معين إذ هو الذي يصح بقاء يد المحبس عليه إذا صرفه فيما حبسه عليه وأما لو كان الوقف على معين فلا يصح بقاء يد المحبس عليه ولو بعد صرفه له فإن مات وهو تحت يده بطل الوقف انظر بن . ( قوله : لحمل أو ركوب ) أي لمحتاج . ( قوله : لينتفع به إلخ ) مفاده أن عوده للواقف لأجل انتفاعه كعوده له لأجل حفظه وهو الذي حققه بن بالنقل عن ابن يونس وابن القاسم المفيد لذلك رادا على طفى حيث خص ذلك بالعود للوقف لأجل الحفظ وأما لو عاد له لينتفع به ثم مات وهو عنده فإن الوقف يبطل . ( قوله : بعد صرفه له في مصرفه ) أي ولو كان صرفه له في مصرفه مفرقا وقوله : بعد صرفه أي بعد صرف جميعه كما هو المتبادر ومفهوم عاد إليه بعد صرفه أنه إذا لم يخرجه من يده حتى مات فإنه يكون ميراثا لعدم حوزه . ( قوله : ولا يبطل ) أي ولو مات الواقف وهو في حوزه . ( قوله : فإن صرف البعض وعاد له ) أي ثم مات ، أو فلس وهو عنده . ( قوله : فما صرفه صح ) أي صح وقفه سواء كان قليلا ، أو كثيرا وقوله وما لا فلا أي وما لم يصرفه قليلا ، أو كثيرا لم يصح وقفه هذا هو ظاهر المدونة كما قال أبو الحسن وأما قول عبق وما لم يصرفه لا يصح وقفه إن كان النصف ففوق لا دونه فيتبع الأكثر الذي صرفه في مصرفه فيحتاج لنقل يشهد له انظر . ( قوله : وأما ما له غلة وكان يكريه ويفرق غلته كل عام ولم يخرجه إلخ ) أنت خبير بأنه إذا لم يخرجه من يده حتى حصل المانع لا يفرق ذو الغلة من غيره بل الوقف باطل فيهما ، وإنما يفترقان فيما إذا خرج من يده ، ثم عاد له واستمر تحت يده حتى حصل المانع ففيما لا غلة له الوقف صحيح ولو عاد له قبل عام وأما ما له غلة إن عاد قبل تمام العام بطل الوقف ، وإلا فلا على ما يأتي في المصنف فكان الأولى للشارح أن يقول وأما ما له غلة إذا حيز عنه ، ثم عاد إليه للانتفاع به واستمر تحت يده حتى حصل المانع فإن وقفه يبطل إن عاد قبل العام لإجل أن تظهر المقابلة فتأمل .

( قوله : وأما ما حبسه في المرض إلخ ) حاصله أن الوقف في المرض وكذا سائر التبرعات فيه تنفذ من الثلث ولا يشترط فيه حوز وله إبطاله ، وإنما يشترط الحوز في التبرعات الحاصلة في الصحة فإن حصل الحوز قبل المانع صح التبرع ، وإلا فلا وهذا كله إذا كان لغير وارث وأما للوارث ففي الصحة صحيح إذا حيز قبل المانع وأما في المرض فهو باطل ولو حيز .




الخدمات العلمية