[ ص: 169 ] الفصل الرابع
في كيفية
nindex.php?page=treesubj&link=28659_19782الاستدلال بهذه الأحوال على وجود الصانع
وهي من وجوه :
أحدها :
nindex.php?page=treesubj&link=19782_19784_28659النظر إلى مقادير هذه الأفلاك ، فإنها مع اشتراكها في الطبيعة الفلكية ، اختص كل واحد منها بمقدار خاص ، مع أنه لا يمتنع في العقل وقوعها على أزيد من ذلك المقدار أو أنقص منه بذرة ، فلما قضى صريح العقل بأن المقادير بأسرها على السوية ، قضى بافتقارها في مقاديرها إلى مخصص مدبر .
وثانيها : النظر إلى أحيازها ، فإن كل فلك مماس بمحدبه فلكا آخر فوقه وبمقعره فلكا آخر تحته ، ثم ذلك الفلك إما أن يكون متشابه الأجزاء أو ينتهي بالآخرة إلى جسم متشابه الأجزاء ، وذلك الجسم المتشابه الأجزاء لا بد وأن تكون طبيعة كل واحد من طرفيه مساوية لطبيعة طرفه الآخر ، فكما صح على محدبه أن يلقى جسما وجب أن يصح على مقعره أن يلقى ذلك الجسم ، ومتى كان كذلك صح أن العالي يمكن وقوعه سافلا ، والسافل يمكن وقوعه عاليا ، ومتى كان كذلك كان اختصاص كل واحد منها بحيزه المعين أمرا جائزا يقضي العقل بافتقاره إلى المقتضى .
وثالثها : أن كل كوكب حصل في مقعره اختص به أحد جوانب ذلك الفلك دون سائر الجوانب ، ثم إن ذلك الموضع المنتفي من ذلك الفلك مساو لسائر جوانبه ؛ لأن الفلك عنده جسم متشابه الأجزاء ، فاختصاص ذلك المقعر بذلك الكوكب دون سائر الجوانب يكون أمرا ممكنا جائزا فيقضي العقل بافتقاره إلى المخصص .
ورابعها : أن كل كرة فإنها تدور على قطبين معينين ، وإذا كان الفلك متشابه الأجزاء كان جميع النقط المفترضة عليه متساوية ، وجميع الدوائر المفترضة عليه أيضا متساوية ، فاختصاص نقطتين معينتين بالقطبية دون سائر النقط مع استوائها في الطبيعة يكون أمرا جائزا ، فيقضي العقل بافتقاره إلى المقتضي ، وهكذا القول في تعين كل دائرة معينة من دوائرها بأن تكون منطقة .
وخامسها : أن الأجرام الفلكية مع تشابهها في الطبيعة الفلكية كل واحد منها مختص بنوع معين من الحركة في البطء والسرعة ، فانظر إلى الفلك الأعظم مع نهاية اتساعه وعظمه ، ثم إنه يدور دورة تامة في اليوم والليلة ، والفلك الثامن الذي هو أصغر منه لا يدور الدورة التامة إلا في ستة وثلاثين سنة على ما هو قول الجمهور ، ثم إن الفلك السابع الذي تحته يدور في ثلاثين سنة ، فاختصاص الأعظم بمزيد السرعة ، والأصغر بمزيد البطء ، مع أنه خلاف حكم العقل فإنه كان ينبغي أن يكون الأوسع أبطأ حركة لعظم مداره ، والأصغر أسرع استدارة لصغر مداره ليس إلا لمخصص ، والعقل يقضي بأن كل واحد منها إنما اختص بما هو عليه بتقدير العزيز العليم .
وسادسها : أن الفلك الممثل إذا انفصل عنه الفلك الخارج المركز بقي متممان : أحدهما من الخارج ، والآخر : من الداخل ، وأنه جرم متشابه الطبيعة ، ثم اختص أحد جوانبهما بغاية الثخن ، والآخر بغاية الرقة بالنسبة ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون نسبة ذلك الثخن والرقة إلى طبيعته على السوية ، فاختصاص أحد جانبيه بالرقة والآخر بالثخن ، لا بد وأن يكون بتخصيص المخصص المختار .
[ ص: 170 ] وسابعها : أنها مختلفة في جهات الحركات ، فبعضها من المشرق إلى المغرب ، وبعضها من المغرب إلى المشرق ، وبعضها شمالية ، وبعضها جنوبية ، مع أن جميع الجهات بالنسبة إليها على السوية ، فلا بد من الافتقار إلى المدبر .
وثامنها : أنا نراها الآن متحركة ، ومحال أن يقال : إنها كانت أزلا متحركة ، أو ما كانت متحركة ، ثم ابتدأت بالحركة ، ومحال أن يقال : إنها كانت أزلا متحركة ؛ لأن ماهية الحركة تقتضي المسبوقية بالغير ؛ لأن الحركة انتقال من حالة إلى حالة والأزل ينافي المسبوقية بالغير ، فالجمع بين الحركة والأزلية محال ، وإن قلنا : إنها ما كانت متحركة أزلا ، سواء قلنا : إنها كانت قبل تلك الحركة موجودة أو كانت ساكنة ، أو قلنا : إنها كانت قبل تلك الحركة معدومة أصلا ،
nindex.php?page=treesubj&link=28659فالابتداء بالحركة بعد عدم الحركة يقتضي الافتقار إلى مدبر قديم سبحانه وتعالى ليحركها بعد أن كانت معدومة ، أو بعد أن كانت ساكنة ، وهذا المأخذ أحسن المآخذ وأقواها .
وتاسعها : أن يقال : إن حركاتها إما أن تكون من لوازم جسمانيتها المعينة ، لكنا نرى جسمانياتها المعينة منفكة عن كل واحد من أجزاء تلك الحركة ، فإذن كل واحد من أجزاء حركته ليس من لوازمه ، فافتقرت الأفلاك في حركاتها إلى محرك من خارج ، وذلك هو محرك المتحركات ، ومدبر الثوابت والسيارات ، وهو الحق سبحانه وتعالى .
وعاشرها : أن هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28659الترتيب العجيب في تركيب هذه الأفلاك وائتلاف حركاتها أترى أنها مبنية على حكمة ، أم هي واقعة بالجزاف والعبث ؟ أما القسم الثاني فباطل وبعيد عن العقل ، فإن جوز [مجوز] في بناء رفيع وقصر مشيد أن التراب والماء انضم أحدهما إلى الآخر ، ثم تولد منهما لبنات ، ثم تركبها قصرا مشيدا وبناء عاليا ، فإنه يقضى عليه بالجنون ، ونحن نعلم أن تركيب هذه الأفلاك وما فيها من الكواكب ، وما لها من الحركات ليس أقل من ذلك البناء ، فثبت أنه لا بد فيها من رعاية حكمة ، ثم لا يخلو إما أن يقال : إنها أحياء ناطقة فهي تتحرك بأنفسها ، أو يقال : إنه يحركها مدبر قاهر ، والأول باطل ؛ لأن حركتها إما أن تكون لطلب استكمالها أو لا لهذا الغرض ، فإن كانت طالبة بحركتها لتحصيل كمال فهي ناقصة في ذواتها ، طالبة للاستكمال أو لا لهذا الغرض ، والناقص بذاته لا بد له من مكمل ، فهي مفتقرة محتاجة ، وإن لم تكن طالبة بحركتها للاستكمال ، فهي عابثة في أفعالها ، فيعود الأمر إلى أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28659يبعد في العقول أن يكون مدار هذه الأجرام المستعظمة ، والحركات الدائمة ، على العبث والسفه ، فلم يبق في العقول قسم هو الأليق بالذهاب إليه إلا أن مدبرا قاهرا غالبا على الدهر والزمان يحركها لأسرار مخفية ، ولحكم لطيفة هو المستأثر بها ، والمطلع عليها ، وليس عندنا إلا الإيمان بها على الإجمال على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ) [آل عمران : 191] .
والحادي عشر : أنا نراها مختلفة في الألوان ، مثل صفرة عطارد ، وبياض الزهرة وضوء الشمس وحمرة المريخ ودرية المشتري ، وكمودة زحل ، واختلاف كل واحد من الكواكب الثابتة بعظم خاص ولون خاص وتركيب خاص ، ونراها أيضا مختلفة بالسعادة والنحوسة ، ونرى أعلى الكواكب السيارة أنحسها ونرى ما دونها أسعدها ، ونرى سلطان الكواكب سعيدا في بعض الاتصالات نحسا في بعض ، ونراها مختلفة في الوجوه والخدود واللثات والذكورة والأنوثة ، وكون بعضها نهاريا وليليا وسائرا وراجعا ومستقيما وصاعدا وهابطا مع
[ ص: 171 ] اشتراكها بأسرها في الشفافية والصفاء والنقاء في الجوهر ، فيقضي العقل بأن اختصاص كل واحد منها بما اختص به لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص .
والثاني عشر : وهو أن هذه الكواكب وكان لها تأثير في هذا العالم فهي إما أن تكون متدافعة أو متعاونة ، أو لا متدافعة ولا متعاونة ، فإن كانت متدافعة فإما أن يكون بعضها أقوى من بعض أو تكون متساوية في القوة ، وإن كان بعضها أقوى من بعض كان القوي غالبا أبدا والضعيف مغلوبا أبدا ، فوجب أن تستمر أحوال العالم على طبيعة ذلك الكوكب ، لكنه ليس الأمر كذلك ، وإن كانت متساوية في القوة وهي متدافعة وجب تعذر الفعل عليها بأسرها ، فتكون الأفعال الظاهرة في العالم صادرة عن غيرها ، فلا يكون مدبر العالم هو هذه الكواكب ، بل غيرها ، وإن كانت متعاونة لزم بقاء العالم على حالة واحدة من غير تغير أصلا ، وإن كانت تارة متعاونة وتارة متدافعة كان انتقالها من المحبة إلى البغضة وبالعكس تغيرا لها في صفاتها ، فتكون هي مفتقرة في تلك التغيرات إلى الصانع المستولي عليها بالقهر والتسخير .
والثالث عشر : أنها أجسام ، وكل جسم مركب ، وكل مركب مفتقر إلى كل واحد من أجزائه ، وكل واحد من أجزائه غيره ، فكل جسم هو مفتقر إلى غيره ممكن ، وكل ممكن مفتقر إلى غيره ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته فله مؤثر ، وكل ما له مؤثر فافتقاره إلى مؤثره إما أن يكون حال بقائه ، أو حال حدوثه أو حال عدمه ، والأول باطل ؛ لأنه يقتضي إيجاد الموجود وهو محال ، فبقي القسمان الآخران وهما يقتضيان الحدوث الدال على وجود الصانع .
والرابع عشر : أن الأجسام متساوية في الجسمية ؛ لأنه يصح تقسيم الجسم إلى الفلكي والعنصري والكثيف واللطيف ، والحار والبارد ، والرطب واليابس ، ومورد التقسيم مشترك بين كل الأجسام ؛ فالجسمية قدر مشترك بين هذه الصفات ، والأمور المتساوية في الماهية يجب أن تكون متساوية في قابلية الصفات ، فإذن كل ما صح على جسم صح على غيره ، فإذن اختصاص كل جسم بما اختص به من المقدار ، والوضع ، والشكل ، والطبع ، والصفة ، لا بد وأن يكون من الجائزات ، وذلك يفضي بالافتقار إلى الصانع القديم جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ولا إله غيره . فهذا هو الإشارة إلى معاقد
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426الدلائل المستنبطة من أجسام السماوات والأرض على إثبات الصانع (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) [لقمان : 27] .
[ ص: 169 ] الْفَصْلُ الرَّابِعُ
فِي كَيْفِيَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_19782الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ
وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=19782_19784_28659النَّظَرُ إِلَى مَقَادِيرِ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ ، فَإِنَّهَا مَعَ اشْتِرَاكِهَا فِي الطَّبِيعَةِ الْفَلَكِيَّةِ ، اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمِقْدَارٍ خَاصٍّ ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ وُقُوعُهَا عَلَى أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ بِذَرَّةٍ ، فَلَمَّا قَضَى صَرِيحُ الْعَقْلِ بِأَنَّ الْمَقَادِيرَ بِأَسْرِهَا عَلَى السَّوِيَّةِ ، قَضَى بِافْتِقَارِهَا فِي مَقَادِيرِهَا إِلَى مُخَصِّصٍ مُدَبِّرٍ .
وَثَانِيهَا : النَّظَرُ إِلَى أَحْيَازِهَا ، فَإِنَّ كُلَّ فَلَكٍ مُمَاسٍّ بِمُحَدَّبِهِ فَلَكًا آخَرَ فَوْقَهُ وَبِمُقَعَّرِهِ فَلَكًا آخَرَ تَحْتَهُ ، ثُمَّ ذَلِكَ الْفَلَكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَشَابِهَ الْأَجْزَاءِ أَوْ يَنْتَهِيَ بِالْآخِرَةِ إِلَى جِسْمٍ مُتَشَابِهِ الْأَجْزَاءِ ، وَذَلِكَ الْجِسْمُ الْمُتَشَابِهُ الْأَجْزَاءِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ طَبِيعَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهِ مُسَاوِيَةً لِطَبِيعَةِ طَرَفِهِ الْآخَرِ ، فَكَمَا صَحَّ عَلَى مُحَدَّبِهِ أَنْ يَلْقَى جِسْمًا وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ عَلَى مُقَعَّرِهِ أَنْ يَلْقَى ذَلِكَ الْجِسْمَ ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ أَنَّ الْعَالِيَ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ سَافِلًا ، وَالسَّافِلُ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ عَالِيًا ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِحَيِّزِهِ الْمُعَيَّنِ أَمْرًا جَائِزًا يَقْضِي الْعَقْلُ بِافْتِقَارِهِ إِلَى الْمُقْتَضَى .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ كُلَّ كَوْكَبٍ حَصَلَ فِي مُقَعَّرِهِ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُ جَوَانِبِ ذَلِكَ الْفَلَكِ دُونَ سَائِرِ الْجَوَانِبِ ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الْمُنْتَفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْفَلَكِ مُسَاوٍ لِسَائِرِ جَوَانِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَلَكَ عِنْدَهُ جِسْمٌ مُتَشَابِهُ الْأَجْزَاءِ ، فَاخْتِصَاصُ ذَلِكَ الْمُقَعَّرِ بِذَلِكَ الْكَوْكَبِ دُونَ سَائِرِ الْجَوَانِبِ يَكُونُ أَمْرًا مُمْكِنًا جَائِزًا فَيَقْضِي الْعَقْلُ بِافْتِقَارِهِ إِلَى الْمُخَصِّصِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ كُلَّ كُرَةٍ فَإِنَّهَا تَدُورُ عَلَى قُطْبَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ الْفَلَكُ مُتَشَابِهَ الْأَجْزَاءِ كَانَ جَمِيعُ النُّقَطِ الْمُفْتَرَضَةِ عَلَيْهِ مُتَسَاوِيَةً ، وَجَمِيعُ الدَّوَائِرِ الْمُفْتَرَضَةِ عَلَيْهِ أَيْضًا مُتَسَاوِيَةً ، فَاخْتِصَاصُ نُقْطَتَيْنِ مُعَيَّنَتَيْنِ بِالْقُطْبِيَّةِ دُونَ سَائِرِ النُّقَطِ مَعَ اسْتِوَائِهَا فِي الطَّبِيعَةِ يَكُونُ أَمْرًا جَائِزًا ، فَيَقْضِي الْعَقْلُ بِافْتِقَارِهِ إِلَى الْمُقْتَضِي ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَعَيُّنِ كُلِّ دَائِرَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ دَوَائِرِهَا بِأَنْ تَكُونَ مِنْطَقَةً .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ الْأَجْرَامَ الْفَلَكِيَّةَ مَعَ تَشَابُهِهَا فِي الطَّبِيعَةِ الْفَلَكِيَّةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُخْتَصٌّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْحَرَكَةِ فِي الْبُطْءِ وَالسُّرْعَةِ ، فَانْظُرْ إِلَى الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ مَعَ نِهَايَةِ اتِّسَاعِهِ وَعِظَمِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَدُورُ دَوْرَةً تَامَّةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، وَالْفَلَكُ الثَّامِنُ الَّذِي هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ لَا يَدُورُ الدَّوْرَةَ التَّامَّةَ إِلَّا فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، ثُمَّ إِنَّ الْفَلَكَ السَّابِعَ الَّذِي تَحْتَهُ يَدُورُ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً ، فَاخْتِصَاصُ الْأَعْظَمِ بِمَزِيدِ السُّرْعَةِ ، وَالْأَصْغَرُ بِمَزِيدِ الْبُطْءِ ، مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ حُكْمِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَوْسَعُ أَبْطَأَ حَرَكَةً لِعِظَمِ مَدَارِهِ ، وَالْأَصْغَرُ أَسْرَعَ اسْتِدَارَةً لِصِغَرِ مَدَارِهِ لَيْسَ إِلَّا لِمُخَصِّصٍ ، وَالْعَقْلُ يَقْضِي بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِنَّمَا اخْتَصَّ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ الْفَلَكَ الْمُمَثَّلَ إِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ الْفَلَكُ الْخَارِجُ الْمَرْكَزِ بَقِيَ مُتَمِّمَانِ : أَحَدُهُمَا مِنَ الْخَارِجِ ، وَالْآخَرُ : مِنَ الدَّاخِلِ ، وَأَنَّهُ جِرْمٌ مُتَشَابِهُ الطَّبِيعَةِ ، ثُمَّ اخْتَصَّ أَحَدُ جَوَانِبِهِمَا بِغَايَةِ الثِّخَنِ ، وَالْآخَرُ بِغَايَةِ الرِّقَّةِ بِالنِّسْبَةِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ ذَلِكَ الثِّخَنِ وَالرِّقَّةِ إِلَى طَبِيعَتِهِ عَلَى السَّوِيَّةِ ، فَاخْتِصَاصُ أَحَدِ جَانِبَيْهِ بِالرِّقَّةِ وَالْآخَرِ بِالثِّخَنِ ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِتَخْصِيصِ الْمُخَصِّصِ الْمُخْتَارِ .
[ ص: 170 ] وَسَابِعُهَا : أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي جِهَاتِ الْحَرَكَاتِ ، فَبَعْضُهَا مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، وَبَعْضُهَا مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ ، وَبَعْضُهَا شَمَالِيَّةٌ ، وَبَعْضُهَا جَنُوبِيَّةٌ ، مَعَ أَنَّ جَمِيعَ الْجِهَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا عَلَى السَّوِيَّةِ ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِافْتِقَارِ إِلَى الْمُدَبِّرِ .
وَثَامِنُهَا : أَنَّا نَرَاهَا الْآنَ مُتَحَرِّكَةً ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهَا كَانَتْ أَزَلًا مُتَحَرِّكَةٌ ، أَوْ مَا كَانَتْ مُتَحَرِّكَةً ، ثُمَّ ابْتَدَأَتْ بِالْحَرَكَةِ ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهَا كَانَتْ أَزَلًا مُتَحَرِّكَةً ؛ لِأَنَّ مَاهِيَّةَ الْحَرَكَةِ تَقْتَضِي الْمَسْبُوقِيَّةَ بِالْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ انْتِقَالٌ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ وَالْأَزَلُ يُنَافِي الْمَسْبُوقِيَّةَ بِالْغَيْرِ ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَرَكَةِ وَالْأَزَلِيَّةِ مُحَالٌ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهَا مَا كَانَتْ مُتَحَرِّكَةً أَزَلًا ، سَوَاءٌ قُلْنَا : إِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ تِلْكَ الْحَرَكَةِ مَوْجُودَةً أَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً ، أَوْ قُلْنَا : إِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ تِلْكَ الْحَرَكَةِ مَعْدُومَةً أَصْلًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=28659فَالِابْتِدَاءُ بِالْحَرَكَةِ بَعْدَ عَدَمِ الْحَرَكَةِ يَقْتَضِي الِافْتِقَارَ إِلَى مُدَبِّرٍ قَدِيمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُحَرِّكَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً ، أَوْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً ، وَهَذَا الْمَأْخَذُ أَحْسَنُ الْمَآخِذِ وَأَقْوَاهَا .
وَتَاسِعُهَا : أَنْ يُقَالَ : إِنَّ حَرَكَاتِهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ لَوَازِمِ جُسْمَانِيَّتِهَا الْمُعَيَّنَةِ ، لَكِنَّا نَرَى جُسْمَانِيَّاتِهَا الْمُعَيَّنَةَ مُنْفَكَّةً عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْحَرَكَةِ ، فَإِذَنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَرَكَتِهِ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ ، فَافْتَقَرَتِ الْأَفْلَاكُ فِي حَرَكَاتِهَا إِلَى مُحَرِّكٍ مِنْ خَارِجٍ ، وَذَلِكَ هُوَ مُحَرِّكُ الْمُتَحَرِّكَاتِ ، وَمُدَبِّرُ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ ، وَهُوَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وَعَاشِرُهَا : أَنَّ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28659التَّرْتِيبَ الْعَجِيبَ فِي تَرْكِيبِ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ وَائْتِلَافِ حَرَكَاتِهَا أَتُرَى أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى حِكْمَةٍ ، أَمْ هِيَ وَاقِعَةٌ بِالْجُزَافِ وَالْعَبَثِ ؟ أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَبَاطِلٌ وَبَعِيدٌ عَنِ الْعَقْلِ ، فَإِنْ جَوَّزَ [مُجَوِّزٌ] فِي بِنَاءٍ رَفِيعٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَنَّ التُّرَابَ وَالْمَاءَ انْضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ ، ثُمَّ تَوَلَّدَ مِنْهُمَا لَبِنَاتٍ ، ثُمَّ تُرَكَّبُهَا قَصْرًا مَشِيدًا وَبِنَاءً عَالِيًا ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْجُنُونِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ تَرْكِيبَ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ ، وَمَا لَهَا مِنَ الْحَرَكَاتِ لَيْسَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ حِكْمَةٍ ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّهَا أَحْيَاءٌ نَاطِقَةٌ فَهِيَ تَتَحَرَّكُ بِأَنْفُسِهَا ، أَوْ يُقَالُ : إِنَّهُ يُحَرِّكُهَا مُدَبِّرٌ قَاهِرٌ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ حَرَكَتَهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِطَلَبِ اسْتِكْمَالِهَا أَوْ لَا لِهَذَا الْغَرَضِ ، فَإِنْ كَانَتْ طَالِبَةً بِحَرَكَتِهَا لِتَحْصِيلِ كَمَالٍ فَهِيَ نَاقِصَةٌ فِي ذَوَاتِهَا ، طَالِبَةٌ لِلِاسْتِكْمَالِ أَوْ لَا لِهَذَا الْغَرَضِ ، وَالنَّاقِصُ بِذَاتِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُكَمِّلٍ ، فَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ مُحْتَاجَةٌ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَالِبَةً بِحَرَكَتِهَا لِلِاسْتِكْمَالِ ، فَهِيَ عَابِثَةٌ فِي أَفْعَالِهَا ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28659يَبْعُدُ فِي الْعُقُولِ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ هَذِهِ الْأَجْرَامِ الْمُسْتَعْظَمَةِ ، وَالْحَرَكَاتِ الدَّائِمَةِ ، عَلَى الْعَبَثِ وَالسَّفَهِ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْعُقُولِ قِسْمٌ هُوَ الْأَلْيَقُ بِالذَّهَابِ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّ مُدَبِّرًا قَاهِرًا غَالِبًا عَلَى الدَّهْرِ وَالزَّمَانِ يُحَرِّكُهَا لِأَسْرَارٍ مَخْفِيَّةٍ ، وَلِحِكَمٍ لَطِيفَةٍ هُوَ الْمُسْتَأْثِرُ بِهَا ، وَالْمُطَّلِعُ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا إِلَّا الْإِيمَانُ بِهَا عَلَى الْإِجْمَالِ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ) [آلِ عِمْرَانَ : 191] .
وَالْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّا نَرَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي الْأَلْوَانِ ، مِثْلَ صُفْرَةِ عُطَارِدٍ ، وَبَيَاضِ الزُّهَرَةِ وَضَوْءِ الشَّمْسِ وَحُمْرَةِ الْمِرِّيخِ وَدُرِّيَّةِ الْمُشْتَرِي ، وَكُمُودَةِ زُحَلَ ، وَاخْتِلَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّابِتَةِ بِعِظَمٍ خَاصٍّ وَلَوْنٍ خَاصٍّ وَتَرْكِيبٍ خَاصٍّ ، وَنَرَاهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةً بِالسَّعَادَةِ وَالنُّحُوسَةِ ، وَنَرَى أَعْلَى الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ أَنْحَسَهَا وَنَرَى مَا دُونَهَا أَسْعَدَهَا ، وَنَرَى سُلْطَانَ الْكَوَاكِبِ سَعِيدًا فِي بَعْضِ الِاتِّصَالَاتِ نَحْسًا فِي بَعْضٍ ، وَنَرَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي الْوُجُوهِ وَالْخُدُودِ وَاللِّثَاتِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ، وَكَوْنِ بَعْضِهَا نَهَارِيًّا وَلَيْلِيًّا وَسَائِرًا وَرَاجِعًا وَمُسْتَقِيمًا وَصَاعِدًا وَهَابِطًا مَعَ
[ ص: 171 ] اشْتِرَاكِهَا بِأَسْرِهَا فِي الشَّفَافِيَّةِ وَالصَّفَاءِ وَالنَّقَاءِ فِي الْجَوْهَرِ ، فَيَقْضِي الْعَقْلُ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَا اخْتُصَّ بِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ .
وَالثَّانِيَ عَشَرَ : وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ وَكَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي هَذَا الْعَالَمِ فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَدَافِعَةً أَوْ مُتَعَاوِنَةً ، أَوْ لَا مُتَدَافِعَةً وَلَا مُتَعَاوِنَةً ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَدَافِعَةً فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ أَوْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ كَانَ الْقَوِيُّ غَالِبًا أَبَدًا وَالضَّعِيفُ مَغْلُوبًا أَبَدًا ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَمِرَّ أَحْوَالُ الْعَالَمِ عَلَى طَبِيعَةِ ذَلِكَ الْكَوْكَبِ ، لَكِنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ وَهِيَ مُتَدَافِعَةٌ وَجَبَ تَعَذُّرُ الْفِعْلِ عَلَيْهَا بِأَسْرِهَا ، فَتَكُونُ الْأَفْعَالُ الظَّاهِرَةُ فِي الْعَالَمِ صَادِرَةً عَنْ غَيْرِهَا ، فَلَا يَكُونُ مُدَبِّرُ الْعَالَمِ هُوَ هَذِهِ الْكَوَاكِبُ ، بَلْ غَيْرُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَاوِنَةً لَزِمَ بَقَاءُ الْعَالَمِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ أَصْلًا ، وَإِنْ كَانَتْ تَارَةً مُتَعَاوِنَةً وَتَارَةً مُتَدَافِعَةً كَانَ انْتِقَالُهَا مِنَ الْمَحَبَّةِ إِلَى الْبِغْضَةِ وَبِالْعَكْسِ تَغَيُّرًا لَهَا فِي صِفَاتِهَا ، فَتَكُونُ هِيَ مُفْتَقِرَةً فِي تِلْكَ التَّغَيُّرَاتِ إِلَى الصَّانِعِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهَا بِالْقَهْرِ وَالتَّسْخِيرِ .
وَالثَّالِثَ عَشَرَ : أَنَّهَا أَجْسَامٌ ، وَكُلُّ جِسْمٍ مُرَكَّبٌ ، وَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ غَيْرُهُ ، فَكُلُّ جِسْمٍ هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ مُمْكِنٌ ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ فَلَهُ مُؤَثِّرٌ ، وَكُلُّ مَا لَهُ مُؤَثِّرٌ فَافْتِقَارُهُ إِلَى مُؤْثِرِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالَ بَقَائِهِ ، أَوْ حَالَ حُدُوثِهِ أَوْ حَالَ عَدَمِهِ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إِيجَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مُحَالٌ ، فَبَقِيَ الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ وَهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْحُدُوثَ الدَّالَّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ .
وَالرَّابِعَ عَشَرَ : أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِسْمِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَقْسِيمُ الْجِسْمِ إِلَى الْفَلَكِيِّ وَالْعُنْصُرِيِّ وَالْكَثِيفِ وَاللَّطِيفِ ، وَالْحَارِّ وَالْبَارِدِ ، وَالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ ، وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ كُلِّ الْأَجْسَامِ ؛ فَالْجِسْمِيَّةُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، وَالْأُمُورُ الْمُتَسَاوِيَةُ فِي الْمَاهِيَّةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةً فِي قَابِلِيَّةِ الصِّفَاتِ ، فَإِذَنْ كُلُّ مَا صَحَّ عَلَى جِسْمٍ صَحَّ عَلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَنِ اخْتِصَاصُ كُلِّ جِسْمٍ بِمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمِقْدَارِ ، وَالْوَضْعِ ، وَالشَّكْلِ ، وَالطَّبْعِ ، وَالصِّفَةِ ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَائِزَاتِ ، وَذَلِكَ يُفْضِي بِالِافْتِقَارِ إِلَى الصَّانِعِ الْقَدِيمِ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ . فَهَذَا هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَعَاقِدِ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426الدَّلَائِلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ أَجْسَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ) [لُقْمَانَ : 27] .