الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( وتقدم بعد ذلك في استيفاء القصاص ويؤخر ) إقامة الحد على ( سكران حتى يصحو ) ليحصل المقصود من إقامة الحد وهو الزجر ( فلو خالف وحده ) أي السكران قبل صحوه ( سقط ) قال في المنتهى وشرحه إن حس بألم الضرب وإلا فلا لأنه لم يوجد ما يزجره ( ويؤخر قطع خوف تلف ) أي موت المحدود بالقطع لأنه حيف ( وإن مات ) المحدود ( في حد أو قطع سرقة أو تعزير أو تأديب معتاد ) من سلطان أو معلم أو والد أو زوج ( وتقدم في الديات فلا ضمان عليه ) أي على أحد لأنه حد وجب لله تعالى فلم يجب فيه شيء لأنه نائب عن الله ولأنه مأذون فيه شرعا كسراية القصاص ( إن لم يلزم التأخير فإن لزم ) التأخير بأن خيف التلف من القطع ( ولم يؤخر ) القطع ( ضمن ) القاطع المقطوع إن سرى إليه لأنه غير مأذون فيه إذن .

                                                                                                                      ( وإن زاد ) الجلاد ( في الحد سوطا أو أكثر عمدا أو خطأ أو ) زاد ( في السوط ) بأن ضرب بأكبر مما تقدم أنه يضرب به ( أو اعتمد ) الجلاد ( في ضربه أو ) ضرب ( بسوط لا يحتمله ) لمرض أو نحوه ( ضمنه ) لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو ضربه في غير الجلد ( بكل الدية ) لأنه قتل حصل من جهة الله وعدوان الضارب فكان الضمان على الضارب كما لو ضرب مريضا سوطا فقتله ( كما إذا ألقى على سفينة موقرة حجرا فغرقها فإن كانت الزيادة من الجلاد من غير أمر ) أحد ( فالضمان على عاقلته ) إن كان خطأ كسائر أنواع الخطإ .

                                                                                                                      ( ومن أمر بزيادة فزاد جاهلا تحريمها ) أي الزيادة فتلف المضروب ( ضمنه الآمر ) كما لو أمر بالقتل مكلفا يجهل تحريمه ( وإلا ) أي وإن لم يكن الضارب جاهلا تحريم الزيادة ضمنه ( الضارب ) لأنه غير معذور وكمن أمر بالقتل مكلفا يعلم تحريمه ( وإن تعمده ) أي الزائد ( العادة فقط ) ضمنه وحده دون الضارب وغيره ( أو أخطأ ) العادة في العدد ( وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد ) هكذا في بعض النسخ وقاله في [ ص: 84 ] الإنصاف وغيره وفي بعضها مشطوب عليه وليس بظاهر ( وتعمد الإمام الزيادة ) في الضرب ( شبه عمد تحمله العاقلة ) لأن الدية وجبت نهاية فكانت على عاقلته كما لو رمى صيدا فقتل آدميا وليس ذلك من خطئه في حكمه ليكون في بيت المال .

                                                                                                                      ( وإن كان الحد رجما لم يحفر له ) أي المرجوم ( رجلا كان أو امرأة ) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحفر لماعز قال أبو سعيد { لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا } رواه أحمد ومسلم والمرأة كذلك نصره في المغني لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر وسواء ( ثبت ) الزنا ( ببينة أو إقرار ، وتشد ثياب المرأة لئلا تنكشف ) لحديث عمران بن حصين قال { فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها } رواه أبو داود ( والسنة أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن كان ثبت ببينة ) لأنه لا حاجة إلى تمكينه من الهرب و ( لا ) يسن ذلك إن كان زناه ثبت ( بإقرار لاحتمال أن يهرب فيترك ) ولا يتمم عليه الحد .

                                                                                                                      ( ويسن حضور من شهد بالزنا وبداءتهم ) أي الشهود ( بالرجم وإن كان ) الزنا ( ثبت بإقرار ) الزاني ( بدأ الإمام أو الحاكم إن كان ثبت عنده ثم يرجم الناس ) لما روى سعيد بإسناده عن علي : " الرجم رجمان فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الإمام ثم الناس وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الناس " ولأن فعل ذلك أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه ( ويجب حضور الإمام أو نائبه في كل حد ) لله أو لآدمي كما في استيفاء القصاص ( ومن أذن له ) الإمام ( في إقامة الحد فهو نائبه ) يكفي حضوره لقوله صلى الله عليه وسلم : { وامض يا أنيس إلى امرأة هذا فإن أقرت فارجمها } .

                                                                                                                      ( ويجب حضور طائفة في حد الزنا ) لقوله تعالى { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ( ولو واحدا ) وهو قول ابن عباس رواه ابن أبي طلحة قال في المبدع وهو منقطع ( مع من يقيم الحد ) لأن الذي يقيم الحد حاضر ضرورة فتعين صرف الأمر إلى غيره ( ومتى رجع المقر بحد الزنا أو ) حد ( سرقة أو ) حد ( شرب قبل الحد عن إقراره بأن يقول كذبت في إقراري أو ) يقول ( لم أفعل ما أقررت به أو ) يقول ( رجعت عن إقراري ونحوه ) فلم يصدر مني ما أقررت به ( قبل منه ) رجوعه ( وسقط عنه الحد ) لأن ماعزا لما هرب وقال لهم ردوني إلى النبي [ ص: 85 ] صلى الله عليه وسلم قال { فهلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه } قال ابن عبد البر ثبت من حديث أبي هريرة وغيره .

                                                                                                                      ( وإن رجع ) عن إقراره ( في أثنائه ) أي الحد ( أو هرب ) المقر في أثناء الحد ( ترك وجوبا ) لما تقدم ولأن ذلك شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ( وإن قال ) المقر ( ردوني إلى الحاكم وجب رده ) إليه لما سبق ( فإن تمم عليه الحد ضمن المتمم ) للحد ( الراجع ) عن إقراره ( بالدية ) لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه و ( لا ) يضمن ( الهارب ولا من طلب الرد إلى الحاكم ) فتمم عليه الحد لخبر ماعز وسبق ( ولا قود ) على المتمم للحد ولو على المصرح بالرجوع لأن القصاص كالحد يدرأ بالشبهة ( وإن رجم ) لثبوت الحد ( ببينة فهرب لم يترك ) لأن زناه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه فلم يؤثر رجوعه ولا هربه .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية