الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويحكم ) الخليفة ( باجتهاده ، أو اجتهاد مقلده ) بفتح اللام ( إن كان مقلدا ) وسيأتي أنه لا يجوز لغير متبحر حكم بغير معتمد مذهبه ولا لمتبحر إذا شرط عليه ذلك ولو عرفا ( ولا يجوز أن يشترط عليه خلافه ) ؛ لأنه يعتقده غير الحق ، والله تعالى إنما أمر بالحكم بالحق وقضية كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم بغير مذهب مقلده ، وقال الماوردي وغيره : يجوز وجمع الأذرعي وغيره بحمل الأول على من لم ينته لرتبة الاجتهاد في مذهب إمامه ، وهو المقلد الصرف الذي لم يتأهل لنظر ، ولا ترجيح [ ص: 117 ] والثاني على من له أهلية ذلك ، ومنع ذلك الحسباني من جهة أن العرف جرى بأن تولية المقلد مشروطة بأن يحكم بمذهب مقلده وهو متجه ، سواء الأهل لما ذكر وغيره لا سيما إن قال له في عقد التولية : على عادة من تقدمك ؛ لأنه لم يعتد لمقلد حكم بغير مذهب إمامه . وقول جمع متقدمين : لو قلد الإمام رجلا القضاء على أن يقضي بمذهب عينه بطل التقليد يتعين فرضه في قاض مجتهد أو مقلد عين له غير مقلده مع بقاء تقليده له كما هو واضح ثم رأيت شارحا جزم بذلك قال : وهو الذي عليه العمل أنه يشترط على كل مقلد العمل بمذهب مقلده فلا يجوز له الحكم بخلافه . ا هـ . ونقل ابن الرفعة عن الأصحاب أن الحاكم المقلد إذا بان حكمه على خلاف نص مقلده نقض حكمه .

                                                                                                                              وصرح ابن الصلاح كما مر بأن نص إمام المقلد في حقه كنص الشارع في حق المقلد ووافقه في الروضة وما أفهمه كلام الرافعي عن الغزالي من عدم النقض بناء على أن للمقلد تقليد من شاء وجزم به في جمع الجوامع قال الأذرعي : بعيد ، والوجه بل الصواب سد هذا الباب من أصله ؛ لما يلزم عليه من المفاسد التي لا تحصى . ا هـ . وقال غيره : المفتي على مذهب الشافعي لا يجوز له الإفتاء بمذهب غيره ولا ينفذ منه أي : لو قضى به لتحكيم ، أو تولية ؛ لما تقرر عن ابن الصلاح ، نعم إن انتقل لمذهب آخر بشرطه وتبحر فيه جاز له الإفتاء به .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أي : المصنف إن كان مقلدا ) أي : بكسر اللازم . ( قوله : لغير متبحر ) ظاهر ولو بتقليد الغير . ( قوله : وقضية كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم بغير مذهب مقلده ) وهو كذلك [ ص: 117 ] ش م ر . ( قوله : والثاني على من له أهلية ذلك ) قد يقال : إن فرض ذلك مع التقليد فظاهر وإلا فمشكل على أنه قد يتوقف مع اعتبار التقليد في اعتبار أهلية الترجيح . ( قوله : على من له إلخ ) هل المراد ورجح مذهب الغير وقلده ؛ إذ أي فائدة لمجرد الأهلية ؟ ( قوله : وما أفهمه كلام الرافعي عن الغزالي من عدم النقض إلخ ) في الروض ، ولو استقضى مقلد أي : للضرورة فحكم بمذهب غير من قلده لم ينقض انتهى قال في شرحه : على أن للمقلد تقليد من شاء انتهى . واعتمد شيخنا الشهاب الرملي خلاف ذلك وحمل كلام الروض على من فيه أهلية الترجيح انتهى .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن : باجتهاده ) أي إن كان مجتهدا وقوله : إن كان مقلدا بكسر اللازم حيث ينفذ قضاء المقلد . ا هـ . مغني ( قوله : وسيأتي ) آنفا في السوادة قبل التنبيه . ( قوله : لا يجوز لغير متبحر إلخ ) ظاهره ولو بتقليد الغير . ا هـ . سم . ( قوله : ولو عرفا ) أي : كما يأتي عن الحسباني . ( قول المتن : عليه ) أي : على من استخلف خلافه أي : الحكم باجتهاده ، أو اجتهاد مقلده . ا هـ . مغني . ( قوله : لأنه يعتقده غير الحق إلخ ) قضية ذلك أنه لو شرطه لم يصح الاستخلاف وهو كذلك ؛ لأن الحاكم إنما يعمل باجتهاده ، أو اجتهاد مقلده وكذا لو شرطه الإمام في تولية القاضي لم تصح توليته لما مر وإن قال : لا تحكم في كذا مما يخالفه فيه جاز وحكم في غيره من بقية الحوادث كقوله : لا تحكم في قتل المسلم بالكافر ، والحر بالعبد . ا هـ . مغني .

                                                                                                                              ( قوله : بالحكم الحق إلخ ) وهو ما دل عليه الدليل عند المجتهد فلا يجوز أن يحكم بغيره ، والمقلد ملحق بمن يقلده ؛ لأنه إنما يحكم بمعتقده فلذا أجري عليه حكمه . ا هـ . مغني . ( قوله : وقضية كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم إلخ ) وهو كذلك . ا هـ . نهاية . ( قوله : يجوز ) أي : حكم المقلد بغير مذهب مقلده ( قوله : والثاني على من له أهلية ذلك ) قد يقال إن فرض ذلك مع التقليد فظاهر ، وإلا فمشكل على أنه قد يتوقف مع اعتبار التقليد في اعتبار [ ص: 117 ] أهلية الترجيح . ا هـ . سم . ( قوله : على من له أهلية إلخ ) هل المراد ورجح مذهب الغير وقلده وإلا فأي فائدة لمجرد الأهلية ؟ ، . ا هـ . سم ومنع ذلك أي : الجمع المذكور . ( قوله : بطل التقليد ) أي : التولية . ( قوله : مع بقاء تقليده ) سيصرح بمفهومه قوله الآتي نعم إن انتقل إلخ . ( قوله : بذلك ) أي : الفرض المذكور . ( قوله : وهو الذي عليه العمل ) إن كان من جملة المقول فلفظ هو زائد لا موقع له ولو كان من كلام الشارح فكان الأولى أن يذكره بعد قوله : انتهى . ( قوله : وما أفهمه كلام الرافعي إلخ ) وفي الروض ولو استقضى مقلد أي : للضرورة فحكم بمذهب غير من قلده لم ينقض انتهى قال في شرحه : على أن للمقلد تقليد من شاء . ا هـ . واعتمد شيخنا الشهاب الرملي خلاف ذلك وحمل كلام الروض على من فيه أهلية الترجيح . ا هـ . سم .

                                                                                                                              ( قوله : بناء على أن للمقلد إلخ ) فيه إشعار ظاهر بأنه إنما حكم به بعد تقليده وحينئذ فهي مغايرة لما سبق مما نقله ابن الرفعة عن الأصحاب ؛ لأن تلك مفروضة في حكمه بخلاف نص مقلده . وبتقليده الثاني خرج الأول عن كونه مقلدا له عند الحكم نعم واضح أن محله حيث لم تدل القرينة على تخصيص توليته بالحكم بمذهب معين كما مر . ا هـ . سيد عمر أقول فيه نظر ؛ إذ المتبادر من مقلده فيما سبق إمامه الذي التزم مذهبه وبمجرد تقليده في واقعة للثاني لا يصدق أنه خرج عن مذهبه وإنما يصدق ذلك إذا انتقل من مذهبه لمذهب الثاني واتخذه إماما كما يفيده قول الشارح الآتي : نعم إن انتقل إلخ ، والله أعلم . ( قوله : بشرطه ) لعله أراد به كون المنتقل إليه من المذاهب الأربعة . ( قوله : وتبحر فيه ) فيه تأمل . ( قوله : جاز له الإفتاء ) أي : والحكم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية