الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويباح قول ) أي : إنشاء ( شعر وإنشاده ) واستماعه ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم كحسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهم وروى الخطيب في جامعه { أنه قرئ عند النبي صلى الله عليه وسلم قرآن وأنشد شعر فقيل يا رسول الله قرآن وشعر في مجلسك قال نعم } وأن { أبا بكرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أعرابي ينشد الشعر فقلت يا رسول الله القرآن أو الشعر فقال يا أبا بكرة هذا مرة وهذا مرة } { واستنشد من شعر أمية بن أبي الصلت مائة بيت } رواه مسلم أي : لأن أكثر شعره حكم وأمثال وتذكير بالبعث ولهذا { قال صلى الله عليه وسلم كاد أي : أمية أن يسلم } وروى البخاري { إن من الشعر لحكمة } واستحب الماوردي منه ما حذر عن معصية أو حث على خير ويؤيده ما مر من صحة إصداق تعليمه حينئذ ( إلا أن يهجو ) في شعره معينا غير حربي [ ص: 223 ] وإن تأذى قريبه المسلم بخلاف الذمي ؛ لأنه معصوم ومقتضى كلام بعضهم إلحاق كل مهدر بالحربي وهو ظاهر في المرتد دون نحو الزاني المحصن وغير متجاهر بفسق وغير مبتدع ببدعته فيحرم وإن صدق أو كان بتعريض كما في الشرح الصغير وترد به شهادته للإيذاء وأثم حاكيه دون منشئه إلا أن يكون هو المذيع له فيكون إثمه أشد .

                                                                                                                              ( أو يفحش ) بضم أوله وكسر ثالثه أي : يجاوز الحد في الإطراء في المدح ولم يمكن حمله على المبالغة فيحرم أيضا ؛ لأنه حينئذ كذب وترد به الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنعة لا إيهام الصدق قال ابن عبد السلام في قواعده : ولا تكاد تجد مداحا إلا رذلا ولا هجاء إلا نذلا ( أو يعرض بامرأة معينة ) بأن يذكر صفاتها من نحو طول وحسن وصدغ وغيرها فيحرم أيضا وترد به شهادته لما فيه من الإيذاء وهتك الستر إذا وصف الأعضاء الباطنة ومحله في غير حليلته ، أما هي فإن ذكر منها ما حقه الإخفاء كما يتفق بينهما عند الخلوة حرم كما في شرح مسلم لكن جزما بكراهته وردت شهادته أيضا وإلا فلا ؛ لأن كعب بن زهير رضي الله عنه شبب بزوجته بنت عمه سعاد في قصيدته بانت سعاد المشهورة وأنشدها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه وخرج بالمرأة الأمرد فيحرم وإن لم يعينه على ما قاله الروياني ؛ لأنه لا يحل بحال بل يفسق إن ذكر أنه يعشقه لكن اعتبر البغوي وغيره تعيينه أيضا ونازع ابن الرفعة الروياني في إطلاق الفسق بأنه ليس من لازم عشقه أن يكون بشهوة محرمة ولهذا عدوا من الشهداء الميت عشقا وفيه نظر ؛ لأن شرطه [ ص: 224 ] أن يكتم ويعف .

                                                                                                                              وهذا لم يكتم على أن الزركشي وغيره قيدوا الشهادة بعشق غير الأمرد وبالمعينة غيرها فلا إثم فيه ولا ترد به الشهادة ؛ لأن غرض الشاعر تحسين صنعته لا تحقيق المذكور قيد ومحله إن لم يكثر منه لبناء الشيخين الإطلاق على ضعيف ويقع لبعض فسقة الشعراء نصب قرائن تدل على التعيين وهذا لا شك أنه معين

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 222 - 223 ] قوله : وترد به شهادته ) لعل المراد بشرط الرد إلا أن يقال أنه كبيرة ، ثم رأيته بين في زواجره أنه كبيرة .

                                                                                                                              ( قوله : إن أكثر منه ) لعل ضابط الإكثار أن لا تغلب طاعاته ، وقضية عدم التقييد بالإكثار في الهجو والتعريض مع تعليلهما المذكور أن كلا منهما كبيرة ( قوله : لكن جزما بكراهته وردت شهادته إلخ ) في الصنيع إشعار بأن ردها على الكراهة أيضا فإن كان كذلك فلعل وجهه دلالته على قلة المروءة ، وعدم المبالاة ، ثم رأيت قول الروض والتشبيب بمعينة ، ووصف أعضائها الباطنة ولو زوجته مسقط للمروءة . ا هـ . ويفهم من كلام شرحه وجوابه عن النص رد الشهادة على الكراهة أيضا



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : قرآن وشعر في مجلسك ) أي هل يجمع بينهما فيه . ( قوله : القرآن أو الشعر ) لعل المعنى تختار القرآن أو الشعر إلخ . ( قوله : واستنشد ) إلى قوله ؛ لأن كعب في النهاية إلا قوله : ويؤيده إلى المتن وقوله وإن تأذى قريبه المسلم وقوله وإن قصد إلى المتن وقوله حرم إلى جزما . ( قوله : واستنشد من شعر أمية إلخ ) أي طلب من بعض الصحابة أن ينشد منه . ( قوله : ابن الصلت ) عبارة مسلم والنهاية ابن أبي الصلت . ( قوله : رواه مسلم ) لفظه عن { عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء قلت نعم قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ، ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت } . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : منه ) أي الشعر . ( قوله : أو حث على خير ) يؤيده ما تقدم للشارح والأذرعي في الحداء فراجعه سيد عمر ( قوله : في شعره ) ليس بقيد ع ش ( قوله : معينا ) يظهر أنه ليس بقيد فيحرم هجو غير الحربي والمرتد والفاسق المتجاهر مطلقا عبارة الأسنى والمغني نصها ومحل التحريم الهجاء إذا كان لمسلم فإن كان لكافر أي غير معصوم وجاز كما صرح به الروياني وغيره ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر حسانا بهجو الكفار بل صرح الشيخ أبو حامد بأنه مندوب ومثله في جواز الهجو المبتدع كما ذكره في الإحياء والفاسق المعلن كما قاله العمراني وبحثه الإسنوي وظاهر كلامهم جواز هجو الكافر الغير المحترم المعين وعليه فيفارق عدم جواز لعنه بأن اللعن الإبعاد من الخير ولاعنه لا يتحقق [ ص: 223 ] بعده منه فقد يختم له بخير بخلاف الهجو . ا هـ .

                                                                                                                              وهي كالصريح في الإطلاق ، ثم رأيت قال الرشيدي قوله : معينا انظر هل منه هجو أهل قرية أو بلدة معينة . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : بخلاف الذمي ) أي ونحوه نهاية ( قوله : دون نحو الزاني إلخ ) أي : كتارك الصلاة ، وقاطع الطريق بشرطهما . ( قوله : وغير متجاهر إلخ ) عطف على غير حربي . ( قوله : متجاهر بفسق ) أي بما جاهر به كما هو ظاهر سيد عمر ( قوله : وغير مبتدع ببدعته ) دخل فيه غير المبتدع والمبتدع بغير بدعته أما هجوه ببدعته فلا يحرم رشيدي . ( قوله : ببدعته ) متعلق بمحذوف أي : هجاه ببدعته . ( قوله : فيحرم ) أي : هجو غير هذه الثلاثة . ( قوله : كما في الشرح الصغير ) بل رجحه الأصل أي الروضة حيث قال ويشبه أن يكون التعريض هجوا كالصريح وقال ابن كج ليس التعريض هجوا انتهى . ا هـ . أسنى . ( قوله : وترد به شهادته ) هذا محمول على ما إذا هجاه بما يفسق به كأن أكثر منه ولم تغلب طاعاته بقرينة ما مر أسنى ولكن ظاهر كلام الشارح والنهاية والمغني الإطلاق كالروض ، ثم رأيت في سم ما نصه قوله : وترد به شهادته لعل المراد بشرط الرد إلا أن يقول أنه كبيرة ، ثم رأيته بين في زواجره أنه كبيرة . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : للإيذاء ) أي مسلما أو ذميا ونحوه نهاية . ( قوله : إلا أن يكون هو المذيع له ) أي بأن كان قد سمعه منه سرا فأذاعه وهتك به ستر المهجو أسنى . ( قوله : أو يفحش ) قضية صنيع المنهج أنه من عطف العام فعليه فقول الشارح أي : يجاوز إلخ من تفسير المراد ( قوله : بضم أوله ) إلى قوله ومحله إن لم يكثر في المغني إلا قوله : إن أكثر إلى قال وقوله ونازع إلى وبالمعينة وما أنبه عليه . ( قوله : الإطراء ) أي المبالغة . ( قوله : إن أكثر منه ) لعل ضابط الإكثار أن لا تغلب طاعاته وقضيته عدم التقييد بالإكثار في الهجو والتعريض مع تعليلهما المذكور أي الإيذاء أن كلا منهما كبيرة . ا هـ .

                                                                                                                              سم وقوله لعل ضابط الإكثار إلخ الأولى لعل الرد بالإكثار مقيد بأن لا تغلب إلخ وقوله وقضيته إلخ قد تقدم آنفا عنه عن زواجر الشارح التصريح بذلك في الأول وقد يفيد ذلك في الثاني قول الشارح الآتي ويقع لبعض فسقة الشعراء إلخ . ( قوله : لا إيهام الصدق ) كذا في الروض ولعل الأولى إسقاط الهمزة كما في الحلبي . ( قوله : رذلا ) وقوله نذلا كلاهما بفتح فسكون الخسيس قاموس . ( قوله : وهتك الستر ) لعل الواو بمعنى أو كما عبر به النهاية ( قوله : إذا وصف إلخ ) راجع للمعطوف فقط . ( قوله : في غير حليلته ) أي غير زوجته وأمته ( قوله : ما حقه الإخفاء إلخ ) أي : أو أعضائها الباطنة عبارة المغني هنا ولو شبب بزوجته أو أمته بما حقه الإخفاء ردت شهادته لسقوط مروءته ، وكذا لو وصف زوجته أو أمته بأعضائها الباطنة كما جرى عليه ابن المقري تبعا لأصله ، وإن نوزع في ذلك . ا هـ .

                                                                                                                              وعبارته في شرح وقبلة زوجة إلخ وقرن في الروضة بالتقبيل أن يحكي ما يجري بينهما في الخلوة مما يستحي منه وكذا صرح في النكاح بكراهته لكن في شرح مسلم أنه حرام . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : لكن جزم بكراهته ) وكذا جزم بها الأسنى والنهاية والمغني قال ع ش وينبغي أن يكون محل الكراهة ما لم تتأذ بإظهاره وإلا حرم . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : وردت شهادته إلخ ) أي ؛ لسقوط المروءة بذلك روض ومغني ، ثم ظاهر إطلاقهم هنا عدم اشتراط الإكثار لكن كلامهم الآتي في شرح وإكثار حكايات إلخ قد يفيد اشتراطه بل كلام المغني والأسنى كالصريح فيه حيث اقتصرا هناك على كلام البلقيني والزركشي وسكتا عن كلام الأذرعي كما يأتي ( قوله : وإلا فلا ) ويشترط أن لا يكثر من ذلك وإلا ردت شهادته قاله الجرجاني مغني وأسنى ويفيده أيضا قول الشارح الآتي ومحله إن لم يكثر إلخ . ( قوله : لكن اعتبر البغوي وغيره تعيينه ) [ ص: 224 ] اعتمده شيخ الإسلام والنهاية والمغني ( قوله : قيدوا الشهادة ) أي شهادة الميت عشقا . ( قوله : وبالمعينة ) إلى قول المتن فالأكل في النهاية إلا قوله : ومحله إلى ويقع . ( قوله : وبالمعينة غيرها إلخ ) وليس ذكر امرأة مجهولة كليلى تعيينا روض ومغني . ( قوله : فيه ) أي في تشبيب غير المعينة . ( قوله : ومحله ) أي عدم الرد بذلك عبارة الأسنى في شرح قول الروض والتشبيب بغير معين لا يضر نصه وما اقتضاه من أن ذلك لا يضر مع الكثرة بناه الأصل على ضعيف فيقيد كلام الأصل بالقليل . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : لا شك أنه معين ) أي فيفسق فترد شهادته بذلك وفي الروض مع شرحه ( فرع ) .

                                                                                                                              شرب الخمر عمدا مع العلم بالتحريم يوجب الحد ورد الشهادة وإن قل المشروب ولم يسكر وترد شهادة بائعها ومشتريها لغير حاجة كتداو وقصد تخلل لا ممسكها فربما قصد بإمساكها التخلل ولا عاصرها ومعتصرها إن لم يقصد بذلك شربها أو الإعانة عليه والمطبوخ منها كالنبيذ فإذا شرب من أحدهما القدر المسكر حد وردت شهادة ولو شرب منه قدرا لا يسكر واعتقد إباحته كالحنفي حد ولم ترد شهادته وإن اعتقد تحريمه حد وردت شهادته ، ومن وطئ أمته وهو يظنها أجنبية ردت شهادته لا من وطئ أجنبية وهو يظنها أمته اعتبارا باعتقاده فيهما ، وإن نكح بلا ولي أو نكح نكاح متعة ووطئ فيها وهو يعتقد الحل لم ترد شهادته ، أو الحرمة ردت لذلك ولا ترد شهادة ملتقط النثار وإن كره التقاطه ؛ لأنه غير مكروه عند جماعة وترد شهادة من تعود حضور الدعوة بلا نداء أو ضرورة قال في الأصل أو استحلال صاحب الطعام ؛ لأنه أكل محرما إلا دعوة السلطان ونحوه فلا ترد شهادة من تعود حضورها ؛ لأنه طعام عام . ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية