الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين .

قرأ جمهور الناس: "يبطش" بكسر الطاء، وقرأ الحسن ، وأبو جعفر : "يبطش" بضم التاء، وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل. والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق; فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح. قال الشعبي : من قتل رجلين فهو جبار، قال الشعبي : ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل، وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى عليه السلام من المقدمات أنه المشار إليه بفساد المملكة، فأنفذ فرعون إليه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل، فخرج على الطريق الأعظم، وأخذ رجل -يقال: إنه مؤمن آل فرعون ، ويقال: إنه غيره- في بنيات الطريق قصدا إلى موضع موسى فبلغه وقال له: إن الملأ الآية.

[ ص: 581 ] و "يسعى" معناه: يسرع في مشيه، قاله الزجاج وغيره، وهو دون الجري، وقال ابن الزجاج : معناه: يعجل وليس بالشد.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة، والأول عندي أظهر في هذه الآية.

و "يأتمرون" وزنه يفتعلون، ويفتعلون يأتي كثيرا بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهب ابن قتيبة إلى أنه بمعنى: يأمر بعضهم بعضا، قال: لو كان ذلك لكان "يتآمرون".

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل، وفي القرآن: وأتمروا بينكم بمعروف ، وقد قال النمر بن تولب :


أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر



وأنشد الطبري :


ما تأتمر فينا فأمـ     ـرك في يمينك أو شمالك



ومنه قول ربيعة بن جثم :


أحار ابن كعب كأني خمر     ويعدو على المرء ما يأتمر



[ ص: 582 ] فخرج موسى عليه السلام وأفلت من القوم فلم يجدوه، وخرج بحكم فزعه إلى الطريق إلى مدين ، وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام ، وكان موسى عليه السلام لا يعرف ذلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فركب مجهلتها واثقا بالله تعالى ومتوكلا عليه. قال السدي ومقاتل : فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل عليه السلام -وقيل: ملكا غيره- فسدده إلى طريق وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعيه الغنم في مدين ، وهو أصح وأكثر. وبين مدين ومصر ثمانية أيام، قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغير فرعون ، وحكى الطبري عن ابن جريج ، أو ابن أبي نجيح -شك الطبري - أنه قال: إن الذي أراد أن يبطش هو الإسرائيلي، فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له: إنك لغوي مبين ، ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى عليه السلام وخاطبه بالفصيح، وكان موسى من الندامة والتوبة في حين لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر. وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي من أقصى المدينة شمعون ، وقال ابن إسحاق : سمعان .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والثبت في هذا ونحوه بعيد.

التالي السابق


الخدمات العلمية