الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين

قررهم عز وجل على حال من افترى على الله كذبا أو كذب بآياته، وهذه كانت حالهم، وأعلمهم أنه لا أحد أظلم منه، وهذا في ضمنه وعيد شديد، ثم بين الوعيد أيضا بالتقرير على أمر جهنم، والمثوى: موضع الإقامة. وألفاظ هذه الآيات في غاية الاقتضاب والإيجاز وجمع المعاني.

ثم ذكر تعالى حال أوليائه والمجاهدين فيه، وقرر ذلك بذكر الكفرة الظلمة ليبين تباين الحالين، وقوله تعالى: فينا معناه: في مرضاتنا وبغية ثوابنا. قال السدي وغيره: نزلت هذه الآية قبل فرض القتال.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

فهي قبل الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عام في دين الله تعالى وطلب رضائه. وقال الحسن : الآية في العباد، وقال ابن عباس والحسن وإبراهيم بن أدهم : هي في الذين بما يعلمون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم ، ونزع بعض العلماء إلى قوله تعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله ، وقال بعض العلماء لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ، وقال أبو سليمان الداراني : "ليس الجهاد في هذه الآية قتال العدو فقط، بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله تعالى، وهو [ ص: 661 ] الجهاد الأكبر، قاله الحسن وغيره، وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك : إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور، فإن الله تعالى يقول: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين . وقال الضحاك : معنى الآية: والذين جاهدوا في الهجرة لنهدينهم سبيل الثبوت على الإيمان" و "السبيل" هنا يحتمل أن يكون طرق الجنة ومسالكها، ويحتمل أن تكون سبيل الأعمال المؤدية إلى الجنة والعقائد النيرة. قال يوسف بن أسباط : "هي إصلاح النية في الأعمال، وحب التزيد والتفهم، وهذا هو أن يجازى العبد على حسنه بازدياد حسنه، ويعلم بجديد من علم مقدم، وهي حال من رضي الله عنه". وباقي الآية وعد.

و "مع" يحتمل أن تكون هنا اسما; ولذلك دخلت عليها لام للتأكيد، ويحتمل أن تكون حرفا، ودخلت اللام لما فيها من معنى الاستقرار، كما دخلت في: إن زيدا لفي الدار.

كمل تفسير سورة العنكبوت والحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

التالي السابق


الخدمات العلمية