الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى

قال الطبري رحمه الله: المعنى: وإن يعرض - يا محمد - هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس: فقديما ما فعل ذلك أبوهم آدم .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا التأويل ضعيف، وذلك أن كون آدم مثالا للكفار الجاحدين ليس بشيء، وآدم إنما عصى بتأويل، ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم، وأما الظاهر في هذه الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم ألا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه فنسي فعوقب؛ ليكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم. و العهد هنا في معنى الوصية، و "نسي" معناه: ترك، ونسيان الذهول لا يمكن هنا؛ لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب، وقرأ الأعمش : "فنسي" بسكون الياء، ووجهها طلب الخفة. و "العزم": المضي على المعتقد في أي شيء كان، وآدم عليه السلام كان معتقدا ألا يأكل من الشجرة، لكنه لما وسوس إليه إبليس لم يعزم [ ص: 138 ] على معتقده. وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم. والشيء الذي عهد لآدم عليه السلام هو ألا يقرب الشجرة، وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له. وقال أبو أمامة رضي الله عنه: لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم عليه السلام في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله تبارك وتعالى: ولم نجد له عزما .

وقوله تعالى: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الآية ابتداء قصة، والعامل في "إذ" فعل مضمر، وقد تقدم استيعاب هذه القصة، لكن نذكر من ذلك ما تقتضيه ألفاظ هذه الآية، فالملائكة قيل كان جميعهم مأمور بذلك، وقيل: بل فرقة فاضلة منهم عددهم اثنان وعشرون. و "السجود" الذي أمروا به سجود كرامة لآدم صلوات الله عليهم، وعبادة لله تعالى. وقوله: إلا إبليس الاستثناء متصل في قول من جعل إبليس من الملائكة، ومنقطع في قول من قال: هو من قبيلة غير الملائكة يقال لها الجن. وقوله: فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ، أي: لا يقع منكما طاعة له في إغوائه فيكون ذلك سبب خروجكما من الجنة. ثم خصص آدم عليه السلام بقوله: "فتشقى" من حيث كان المخاطب أولا المقصود في الكلام، وقيل: بل ذلك لأن الله تعالى جعل الشقاء في معيشة الدنيا في حيز الرجال. وروي أن آدم عليه السلام لما أهبط هبط معه ثور أحمر، فكان يحرث ويمسح العرق، فهذا هو الشقاء الذي خوف منه.

التالي السابق


الخدمات العلمية