الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإن بعث القارن هديا وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار ، فإن كان لا يدرك الحج والهدي لا يلزمه أن يتوجه بل يصبر حتى يتحلل بنحر الهدي ) لفوات المقصود من التوجه وهو أداء الأفعال ، وإن توجه ليتحلل بأفعال العمرة له ذلك ; لأنه فائت الحج [ ص: 133 ] ( وإن كان يدرك الحج والهدي لزمه التوجه ) لزوال العجز قبل حصول المقصود بالخلف ، وإذا أدرك هديه صنع به ما شاء ; لأنه ملكه وقد كان عينه لمقصود استغنى عنه ( وإن كان يدرك الهدي دون الحج يتحلل ) لعجزه عن الأصل ( وإن كان يدرك الحج دون الهدي جاز له التحلل ) استحسانا ، وهذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحج ; لأن دم الإحصار عندهما يتوقت بيوم النحر ، فمن يدرك الحج يدرك الهدي ، وإنما يستقيم على قول أبي حنيفة رحمه الله ، وفي المحصر بالعمرة يستقيم بالاتفاق ; لعدم توقت الدم بيوم النحر . وجه القياس وهو قول زفر رحمه الله أنه قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل ، وهو الهدي . وجه الاستحسان أنا لو ألزمناه التوجه لضاع ماله ; لأن المبعوث على يديه الهدي يذبحه ولا يحصل مقصوده ، وحرمة المال كحرمة النفس ، وله الخيار [ ص: 134 ] إن شاء صبر في ذلك المكان أو في غيره ; ليذبح عنه فيتحلل ، وإن شاء توجه ليؤدي النسك الذي التزمه بالإحرام وهو أفضل ; لأنه أقرب إلى الوفاء بما وعد ( ومن وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرا ) لوقوع الأمن عن الفوات .

التالي السابق


( قوله : فإن بعث القارن هديا ) الصواب المحصر مكان القارن ، وهذا غلط ظاهر في النسخ ، أما أولا فلأن هذا الحكم لا يخص القارن فالحاجة إلى بيانه مطلقا لا على خصوص القارن ، وأما ثانيا فلأن القارن إنما يبعث بدمين . ( قوله : فإن كان لا يدرك إلخ ) حاصل وجوه المسألة أنه إذا زال الإحصار بعد البعث ، فإما أن يكون بحيث يدرك الهدي والحج أو لا يدركهما ، أو يدرك الحج فقط أو الهدي فقط ، وهذا التقسيم على قول أبي حنيفة كما ذكره المصنف وذكر أحكام الأقسام وهي ظاهرة . ( قوله : وإن توجه ; ليحل بأفعال العمرة له ذلك ) وله في هذا فائدة هي أنه لا يلزمه عمرة في القضاء .

فإن قيل : إذا كان المحصر قارنا ينبغي أن يجب عليه أن يأتي بالعمرة التي وجبت عليه بالشروع في القران ; لأنه قادر عليها . قلنا : إنه لا يقدر على أدائها على [ ص: 133 ] الوجه الذي تلزمه وهو كونه على وجه يترتب عليها الحج إذ بفوات الحج يفوت ذلك ( قوله : لزمه التوجه ) وليس له أن يتحلل بالهدي ; لأن ذلك كان ; لعجزه عن إدراك الحج وقد قدر عليه فلا يجوز الخلف مع القدرة على الأصل . ( قوله : وهو قول زفر ) وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة ( قوله : ولو خاف على نفسه لا يلزمه التوجه فكذا على ماله ) فإنا رأينا الشرع في كثير من المواضع أنه أنزل المال كالنفس حتى أباح القتال دونه والقتل كالنفس . وفي البدائع ; لأنه إذا كان لا يقدر على إدراك الهدي صار كأن الإحصار زال عنه بالذبح فيحل به ، ولأن الهدي قد مضى ; لسبيله بدليل أنه لا يجب الضمان على المبعوث معه بالذبح فصار كأنه قدر على الذهاب بعدما ذبح عنه . ا هـ . [ ص: 134 ] ولا يثلج الخاطر شيء من ذلك ، والأفضل أن يتوجه ; لأن فيه الإيفاء بما التزمه كما التزمه .




الخدمات العلمية