الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون ) لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم [ ص: 285 ] فأولى أن لا تثبت على غيرهم ولأن هذه ولاية نظرية ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء ( ولا ) ولاية ( لكافر على مسلم ) لقوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ولهذا لا تقبل شهادته عليه ولا يتوارثان ، أما الكافر فتثبت له ولاية الإنكاح على ولده الكافر لقوله تعالى { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ولهذا تقبل شهادته عليه ويجزئ بينهما التوارث

التالي السابق


( قوله ولا ولاية لعبد ) لأن الولاية بإنفاذ القول على الغير إذا كانت متعدية ، والقاصرة منتفية في هؤلاء فالمتعدية أولى . فإن قيل : صحة إقرار العبد تدل على ولايته القاصرة . فالجواب أنها في المعنى معلقة في غير الحدود والقصاص . وأما هما فمستثنيان عندنا . والإجماع على نفي ولايته في النكاح لعجزه ، وإلا فيمكن أن يقال روايته الحديث ولاية حيث كان إلزاما ، وكذا أمانه إذا كان مأذونا له في القتال وشهادته بهلال رمضان . وإن أجيب عن هذه فالمشاححة ممكنة في الأجوبة . والأسلم جعل المراد بقوله ولا ولاية لعبد : أي في النكاح لا نفي الولاية مطلقا ; لأنه يستدل بعدم القاصرة على عدم المتعدية ، فلو أريد الأعم كان مستدلا ببعض الدعوى ولا المتعدية مطلقا ، إذ قد يشاحح بأن له شيئا من المتعدية لولايته على زوجته الحرة في أمور الزوجية كالمنع من الخروج [ ص: 285 ] والتمكين وطلب الزينة مع ما ذكرنا فإنه يصدق في الكل أنه عبد له ولاية على الغير ملزمة . والمراد بالجنون المطبق وهو على ما قيل سنة ، وقيل أكثر السنة ، وقيل شهر وعليه الفتوى . وفي التجنيس وأبو حنيفة رحمه الله لا يوقت في الجنون المطبق شيئا كما هو دأبه في التقديرات فيفوض إلى رأي القاضي ، وغير المطبق تثبت له الولاية في حالة إفاقته بالإجماع . وقد يقال : لا حاجة إلى تقييده به ; لأنه لا يزوج حال جنونه مطبقا أو غير مطبق ويزوج حال إفاقته عن جنون مطبق أو غير مطبق ، لكن المعنى أنه إذا كان مطبقا تسلب ولايته فتزوج ولا تنتظر إفاقته ، وغير المطبق الولاية ثابتة له فلا تزوج وتنتظر إفاقته كالنائم . ومقتضى النظر أن الكفء الخاطب إذا فات بانتظار إفاقته تزوج وإن لم يكن مطبقا وإلا انتظر على ما اختاره المتأخرون في غيبة الولي الأقرب على ما سنذكره .

( قوله ولهذا ) أي لهذا الدليل ( لا تقبل شهادته عليه ) ; لأنه لا سبيل له عليه ( ولا يتوارثان ) ; لأن الوارث يخلف المورث فيما يليه ملكا ويدا وتصرفا . والظاهر أن الوراثة ليست ولاية على الميت بل ولاية قاصرة تحدث شرعا بعد انقضاء ولاية أخرى فنفي المتعدية ليس نفي الوراثة فليس نفيها بهذا الدليل . وكما لا تثبت الولاية لكافر على مسلم فكذا لا تثبت لمسلم على كافر : أعني ولاية التزويج بالقرابة وولاية التصرف في المال . قيل وينبغي أن يقال إلا أن يكون المسلم سيد أمة كافرة أو سلطانا ، وقائله صاحب الدراية ونسبه إلى الشافعي ومالك قال : ولم ينقل هذا الاستثناء عن أصحابنا والذي ينبغي أن يكون مرادا ورأيت في موضع معزو إلى المبسوط أن الولاية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية السلطنة والشهادة ولا تثبت للكافر على المسلم فقد ذكر معنى ذلك الاستثناء . فأما الفسق فهو يسلب الأهلية كالكفر ، المشهور أن عندنا لا وهو المذكور في المنظومة . وعن الشافعي اختلاف فيه . أما المستور فله الولاية بلا خلاف فما في الجوامع أن الأب إذا كان فاسقا فللقاضي أن يزوج الصغيرة من غير كفؤ غير معروف . نعم إذا كان متهتكا لا ينفذ تزويجه إياها بنقص ومن غير كفء وستأتي هذه .




الخدمات العلمية