الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وشرط إجزاء ) أي وقوع ( المعجل ) زكاة ( بقاء المالك أهلا للوجوب ) عليه ( إلى آخر الحول ) وبقاء المال إلى آخره أيضا ، فلو مات أو تلف المال أو خرج عن ملكه ولم يكن مال تجارة لم يجزه المعجل ، وقد يبقى المال وأهلية المالك ولكن تتغير صفة الواجب كما لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين فتوالدت قبل الحول وبلغت ستا وثلاثين فلا تجزيه المعجلة على الأصح وإن صارت بنت لبون في يد القابض بل يستردها ويعيدها أو يعطي غيرها وذلك لأنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط ، وإن تلفت لم يلزم إخراج لبنت لبون لأنا إنما نجعل المخرج كالباقي إذا وقع محسوبا عن الزكاة وإلا فلا بل هو كتلف بعض المال قبل الحول ، ولا تجديد لبنت المخاض لوقوعها موقعها ، ولو كان عنده خمسة وعشرون بعيرا ليس فيها بنت مخاض فعجل ابن لبون ثم استفاد بنت مخاض في آخر الحول فوجهان أصحهما الإجزاء كما اختاره الروياني خلافا للقاضي بناء على أن الاعتبار بعدم بنت المخاض حال الإخراج لا حال الوجوب وهو الأصح كما مر ، والمراد من عبارة المصنف أن يكون المالك متصفا بصفة الوجوب ; لأن الأهلية ثبتت بالإسلام والحرية ولا يلزم [ ص: 143 ] من وصفه بالأهلية وصفه بوجوب الزكاة عليه ( وكون القابض ) له ( في آخر الحول مستحقا ) فلو مات قبله أو ارتد لم يحسب المدفوع إليه عن الزكاة لخروجه عن الأهلية عند الوجوب . والقبض السابق إنما يقع عن هذا الوقت ( وقيل إن ) ( خرج عن الاستحقاق في أثناء الحول ) كأن ارتد ثم عاد ( لم يجزه ) أي المالك المعجل كما لو لم يكن عند الأخذ مستحقا ثم صار كذلك في آخر الحول ، والأصح الإجزاء اكتفاء بالأهلية في طرفي الوجوب والأداء ، وقد يفهم أنه لا بد من العلم بكونه مستحقا في آخر الحول : أي ولو بالاستصحاب ، فلو غاب عند الحول أو قبله ولم يعلم حياته أو احتياجه أجزأه المعجل كما في فتاوى الحناطي وهو أقرب الوجهين في البحر ، ومثل ذلك ما لو حصل المال عند الحول ببلد غير بلد القابض فإن المدفوع يجزي عن الزكاة كما اعتمده الوالد رحمه الله تعالى ، إذ لا فرق بين غيبة القابض عن بلد المال وخروج المال عن بلد القابض خلافا لبعض المتأخرين ، وقضية كلام المصنف أنه لو مات القابض معسرا في أثناء الحول لزم المالك دفع الزكاة ثانيا للمستحقين وهو كذلك وفي المجموع أنه قضية كلام الجمهور ( ولا يضر غناه بالزكاة ) المعجلة لكثرتها أو توالدها أو تجارته فيها أو غير ذلك إذ القصد بصرف الزكاة له غناه ولأنا لو أخذناها لافتقر واحتجنا إلى ردها له ، فإثبات الاسترجاع يؤدي إلى نفيه ولو مات المعجل لزكاته لم يقع ما عجله عن زكاة وارثه ، وكزكاة الحول فيما ذكر زكاة الفطر ، ولو استغنى [ ص: 144 ] بزكاة أخرى معجلة أو غير معجلة فكاستغنائه بغير الزكاة كما صرح به الفارقي . وقال الأذرعي : إن عبارة الأم تشهد له ، وتتصور هذه المسألة بما إذا تلفت المعجلة ثم حصل غناء من زكاة أخرى ونمت في يده بقدر ما يوفي منها بدل التالف ويبقى غناه ، وبما إذا بقيت وكان حالة قبضهما محتاجا إليهما ثم تغير حاله فصار في آخر الحول يكتفي بإحداهما وهما في يده ، والأوجه أنه لو أخذ معجلتين معا وكل منهما تغنيه تخير في دفع أيهما شاء فإن أخذهما مرتبا استردت الأولى على ما اقتضاه كلام الفارقي ، والمعتمد كما جرى عليه السبكي أن الثانية أولى بالاسترجاع ، ويؤيده قول البندنيجي وغيره : لو كان المدفوع عليه المعجلة غنيا عند الأخذ فقيرا عند الوجوب لم يجزه قطعا لفساد القبض ، ولو كانت الثانية غير معجلة فالأولى هي المستردة وعكسه بعكسه ، إذ لا مبالاة بعروض المانع بعد قبض الزكاة الواجبة ، ولو استغنى بالزكاة وغيرها لم يضر أيضا كما اقتضاه كلام المصنف وجزم به في الروضة لأنه بدونها ليس بغني خلافا للجرجاني في شافيه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو يعطي غيرها ) . [ تنبيه ] يتجه أن محل ما ذكره من عدم الإجزاء باعتبار الدفع السابق والنية السابقة ، فلو نوى بعد أن صارت بنت لبون ومضى زمن يمكن فيه القبض وهي بيد المستحق فينبغي أن يقع حينئذ على الزكاة أخذا من الحاشية السابقة في الفصل على قول المصنف فإن لم ينو لم يجز على الصحيح وإن نوى السلطان ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : فعجل ابن لبون ) أي وأما لو أراد تعجيل بنت لبون عن بنت المخاض ولم يأخذ جبرانا وجب قبولها ، وإذا وجد بنت المخاض بعد فليس له استرداد بنت اللبون لأنه بدفعها وقعت الموقع وهو متبرع بالزائد ، وإن أراد دفعها وطلب الجبران فينبغي أن لا يصح لأنه لا حاجة إلى التعجيل وتغريم الجبران للمستحقين ، وبتقدير الصحة فلو وجد بنت المخاض آخر الحول هل يجب دفعها واسترداد بنت اللبون ورد الجبران للمستحقين أم لا ؟ فيه نظر ، ولا يبعد [ ص: 143 ] الوجوب .

                                                                                                                            ( قوله : في آخر الحول مستحقا ) أي وإن خرج عن الاستحقاق في أثنائه .

                                                                                                                            ( قوله : ما لو حصل المال عند الحول ) أي آخره ( قوله : كما اعتمده الوالد ) وهل يجري ذلك في البدن في الفطرة حتى لو عجل الفطرة ثم كان عند الوجوب في بلد آخر أجزأ أو لا ، ولا بد من الإخراج ثانيا إذا كان عند الوجوب ببلد آخر ، فيه نظر ا هـ سم على حج . والأقرب الأول للعلة المذكورة في كلام الشارح ، فإن قضيتها أنه لا فرق بين زكاة المال والبدن .

                                                                                                                            ( قوله : وقضية كلام المصنف ) أي حيث قال : وكون القابض في آخر الحول مستحقا لأن بموته قبل فراغ الحول يستلزم أنه آخر الحول غير مستحق سواء أمات معسرا أو موسرا ، وحيث لم يجز بقيت الزكاة على المالك وكأنه لم يخرج ، وهذه الصورة فهمت من إطلاق قوله أولا فلو مات قبله أو ارتد إلخ ، ولكنه ذكرها هنا إشارة إلى أن إعساره لا يسقط الضمان عن المالك فلا يقال : إنه بتعجيله لقصد التوسعة على الفقراء لا يعد مقصرا فيسقط الضمان عنه .

                                                                                                                            ( قوله : لو مات القابض معسرا ) أي أو موسرا بالأولى ( قوله : ولأنا لو أخذناها ) أي بعد غناه بها .

                                                                                                                            ( قوله : لم يقع ما عجله عن زكاة وارثه ) أي بل تسترد إن علم القابض التعجيل ومحله ما لم تكن بيد القابض ويعلم بها الوارث وينوي بها الزكاة ويمضي زمن يمكن فيه القبض قياسا على ما تقدم عن سم في قوله تنبيه يتجه إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وكزكاة الحول فيما ذكر ) أي من أنه يعتبر كون المزكي وقت الوجوب بصفته والقابض بصفة الاستحقاق وأنه لو انتقل أخرج الزكاة إلى [ ص: 144 ] غير بلد المستحق أجزأته .

                                                                                                                            ( قوله : فكاستغنائه بغير الزكاة ) أي فتسترد الأولى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 142 ] قوله : فتوالدت قبل الحول وبلغت ستا وثلاثين ) أي : بالتي أخرجها ( قوله : بل يستردها ) أي إن كانت باقية ( قوله : وذلك لأنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط ) مراده بذلك ما في التحفة للشهاب حج وإن كانت عبارته قاصرة عنه ، وعبارته بعد أن ذكر الصورة المذكورة نصها : قيل ولا ترد هذه على المتن لأنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط ا هـ . فيكون الشارح قد ارتضى هذا القيل ، ويكون قوله وذلك لأنه لا يلزم إلخ تعليلا لمقدر : أي ولا ترد هذه على المتن وذلك إلخ ، ويجوز أن يكون معنى كلام الشارح مع قطع النظر عما في التحفة أنه لا يلزم من وجود الشرط وهو هنا كونها الآن بصفة الإجزاء وجود المشروط وهو الإجزاء : أي لقيام المانع ( قوله لم يلزم خراج بنت لبون ) أن النقص الذي يخرج عنه بتلف المخرج عن ست وثلاثين ( قوله والمراد من عبارة المصنف أن يكون المالك متصفا بصفة الوجوب ) يقال عليه فحينئذ عطف قوله وبقاء المال إلخ [ ص: 143 ] على كلام المصنف غير جيد ( قوله : وقضية كلام المصنف أنه لو مات القابض معسرا إلخ ) يغني عنه ما مر من قوله فلو مات قبله عقب قول المصنف مستحقا ، لا أنه نبه هنا على أنه قضية كلام المصنف وذكر فيه كلام المجموع [ ص: 144 ] قوله : وعكسه ) أي بأن كانت الثانية هي المعجلة ، وقوله بعكسه : أي فالثانية هي المستردة وهي المعجلة أيضا ( قوله : ولو استغنى بالزكاة وغيرها ) أي بمجموعهما




                                                                                                                            الخدمات العلمية