الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان الحج إن كانت من شوال وإلا فعمرة فبانت من شوال فحج وإلا فعمرة ، ومن أحرم بحج يعتقد تقدمه على وقته فبان فيه أجزأه ، ولو أخطأ الوقت كل الحجيج فهل يغتفر كخطأ الوقوف أو ينعقد عمرة ؟ وجهان ، أوفقهما الثاني أخذا بعموم كلامهم ، ويفرق بأن الغلط ثم يقع كثيرا فاقتضت الحاجة بل الضرورة المسامحة به ، وهنا لا يقع إلا نادرا فلم يغتفر ولو بالنسبة للحجيج العام ، وأيضا فالغلط هنا إنما ينشأ عن تقصير بخلافه ثم ، فإنه ينشأ عن كون الهلال غم عليهم ولا حيلة لهم في دفعه ، وأيضا فالغلط هنا إن كان بتقديم العبادة على وقتها فهو كالوقوف في الثامن ، وإن كان بتأخيرها عنه فهو كالوقوف في الحادي عشر وسيأتي أنهما لا يجزئان ( وفي ليلة النحر ) وهي العاشرة ( وجه ) أنها ليست من وقته ; لأن الليالي تبع للأيام ويوم النحر لا يصح فيه الإحرام فكذا ليلته ( فلو ) ( أحرم به ) أي الحج حلال ( في غير وقته ) كرمضان أو أحرم مطلقا ( انعقد ) إحرامه بذلك ( عمرة ) مجزئة عن عمرة الإسلام ( على الصحيح ) سواء أكان عالما أم جاهلا لشدة تعلق الإحرام ولزومه ، فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف ; لما يقبله وهو العمرة ، ولأنه إذا بطل قصد الحج فيما إذا نواه بقي مطلق الإحرام ، والعمرة تنعقد بمجرد الإحرام كما مر ، والثاني لا ينعقد عمرة كما لو فاته الحج وتحلل بأعمال عمرة ; لأن كل واحد من الزمانين ليس وقتا للحج ، فإن كان محرما بعمرة ثم أحرم بحج في غير أشهره لم ينعقد حجا لوقوعه في غير أشهره ولا عمرة ، [ ص: 258 ] لأن العمرة لا تدخل على العمرة كما ذكره القاضي أبو الطيب .

                                                                                                                            ولو أحرم قبل أشهر الحج ثم شك هل أحرم بحج أو عمرة فهو عمرة ، أو أحرم بحج ثم شك هل كان إحرامه في أشهره أم قبلها قال الصيمري : كان حجا ; لأنه تيقن إحرامه الآن وشك في تقدمه .

                                                                                                                            قاله في المجموع ، والميقات الزماني للعمرة جميع السنة كما قال ( وجميع السنة وقت لإحرام العمرة ) وجميع أفعالها لخبر الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث مرات متفرقات في ذي القعدة : أي في ثلاثة أعوام ، وأنه اعتمر عمرة في رجب } كما رواه ابن عمر وإن أنكرته عليه عائشة ، وأنه قال : { عمرة في رمضان تعدل حجة } وفي رواية لهما { حجة معي } وروي { أنه اعتمر في رمضان وفي شوال } فدلت السنة على عدم التأقيت ، وقد يمتنع الإحرام بها في أوقات كما لو كان محرما بعمرة وقد مر أو كان محرما بحج إذ العمرة لا تدخل عليه أو أحرم بها قبل نفره لاشتغاله بالرمي والمبيت فهو عاجز عن الاشتغال بعملها ، ولأن بقاء أثر الإحرام كبقائه ، ويؤخذ منه عدم الفرق بين من وجب عليه الرمي والمبيت ومن سقطا عنه : أي ولم ينفر فتعبير كثير بمنى إنما هو باعتبار الأصل والغالب ، وأنه يمتنع حجتان في عام واحد وهو ما في الأم وجزم به الأصحاب وحكى فيه الإجماع ، وتصوير الزركشي وقوعهما في عام واحد مردود ، أما إحرامه بها بعد نفره الأول والثاني فصحيح مطلقا كما في المجموع ، وإن بقي وقت الرمي في الأول ; لأنه به خرج من الحج وصار كما لو مضى وقت الرمي ، ولا يكره تكريرها بل يسن الإكثار منها { ; لأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في عام مرتين } وكذلك عائشة وابن عمر ، ويتأكد في رمضان وفي أشهر الحج وهي في يوم عرفة والعيد وأيام التشريق ليست كفضلها في غيرها ; لأن الأفضل فعل الحج فيها وشغل الزمن بالاعتمار أفضل من صرف قدره في الطواف على الأصح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فعمرة ) هذا يشكل بنظيره في صوم يوم الشك حيث لا يجزئه عن رمضان إذا نوى ليلة الثلاثين في شعبان صومه عن رمضان إن كان منه وإلا فنفل فبان من رمضان ولعل الفرق صلاحية الوقت لكل من الحج والعمرة ، ولا يرد أن الصوم صالح لوقوعه عن رمضان إذا تبين أنه منه لعدم جزمه بالنية ، ولأن الإحرام أشد تعلقا بالزمان ( قوله ولو أخطأ الوقت ) أي وقت دخول وقت الحج ( قوله عن عمرة الإسلام ) أي فيجب عليه الإتيان بأعمالها ( قوله : وتحلل ) يتأمل وجه التحلل وأنه لا ينعقد

                                                                                                                            [ ص: 258 ] قوله : ويؤخذ منه ) أي من العلة الثانية وهي قوله ولأن بقاء أثر الإحرام إلخ ( قوله بمنى ) أي حيث قالوا ولو أحرم بها بمنى ( قوله : وتصوير الزركشي إلخ ) أي بأن يأتي مكة نصف الليلة ويطوف ويسعى بعد الوقوف ثم يرجع إلى منى لحصول التحللين بما فعله ، ووجه رده بقاء أثر الإحرام المانع من حجه الحجة الثانية من المبيت بمنى ورمي أيام التشريق ( قوله : ليست كفضلها في غيرها ) أي بل فضلها فيها دونه في غيرها كما يفيده قوله لأن الأفضل إلخ ( قوله : وشغل الزمن بالاعتمار أفضل ) أي لأنها لا تقع من المكلف الحر إلا فرضا وهو أفضل من التطوع ا هـ حج



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وأيضا فالغلط هنا إلخ ) قد يقال هذا فرق بالحكم إذ حاصله عدم الإجزاء هنا مطلقا بخلافه في خطإ الوقوف وهو الحكم المدعى الذي هو محل النزاع ، والفرق إنما يكون بشيء يرجع إلى المعنى كما هو ظاهر فتأمل ( قوله فهو كالوقوف في الثامن ) هذا التشبيه كالذي بعده يقتضي بطلان الإحرام من أصله ، وهو خلاف المدعى من انعقاده عمرة [ ص: 258 ] قوله أي في ثلاثة أعوام ) تفسير لقوله متفرقات ( قوله : وأنه يمتنع حجتان ) معطوف على عدم الفرق ( قوله : ويتأكد في رمضان وفي أشهر الحج ) قد يقال : إنه يؤخذ مما يأتي من أفضليته الإفراد على التمتع أن محل التأكد في أشهر الحج فيمن لم يرد الحج في عامه فليراجع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية