الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ومتى استوى اثنان قربا قدم أسنهما ، فإن استويا سنا فأسبقهما إسلاما ثم هجرة كذا ذكره الرافعي ، لكن المعتمد في الروضة أنه يقدم بالسبق للإسلام ثم بالدين ثم بالسن ثم بالهجرة ثم بالشجاعة ثم يتخير الإمام ، ولا يشكل تقديمهم النسب على السن هنا عكس الراجح في إمامة الصلاة ; لأن المدار هنا على ما به الافتخار بين القبائل وثم على ما يزيد به الخشوع ونحوه ، والسن أدخل في ذلك من النسب ; لأن الغالب أن السن كلما زاد كثر الخير ونقص الشر ( ولا يثبت ) ندبا وقيل وجوبا ( في الديوان أعمى ولا زمنا ولا من يصلح للغزو ) لنحو جهل بالقتال أو صفته أو جبن عنه لعجزهم ومحله في المرتزق ، أما عياله فيثبتون تبعا له وإن قام بهم نقص كما بحثه الجلال البلقيني ( ولو مرض بعضهم أو جن ورجي زواله ) ولو .

                                                                                                                            [ ص: 141 ] بعد مدة طويلة ( أعطي ) ويبقى اسمه في الديوان لئلا يرغب الناس عن الجهاد ( فإن لم يرج فالأظهر أنه يعطى ) أيضا كذلك لكن يمحى اسمه من الديوان ، والذي يعطاه كفاية ممونه اللائقة به الآن كما قاله السبكي .

                                                                                                                            والثاني لا يعطى لعدم رجاء نفعه : أي لا يعطى من أربعة أخماس الفيء المعدة للمقاتلة ولكن يعطى من غيرها إن كان محتاجا ، ومحل الخلاف في إعطائه في المستقبل أما الماضي فيعطاه جزما ، وظاهر كلام ابن الرفعة تفريعا على المعتمد عدم اشتراط مسكنته وجرى عليه السبكي وقال إن النص يقتضيه ( وكذا ) يعطى ممون المرتزق ما يليق بذلك الممون هو و ( زوجته ) وإن تعددت ومستولداته ( وأولاده ) وإن سفلوا وأصوله الذين تلزمه مؤنتهم في حياته بشرط إسلامهم كما بحثه الأذرعي ، فلا تعطى الزوجة الكافرة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ; لأنها عطية مبتدأة لها ومثلها الباقون ، فإن أسلمت بعد موته فالظاهر إعطاؤها لانتفاء علة منعه وهو الكفر ( إذا مات ) ولو لم يرج كونهم من المرتزقة بعد لئلا يعرض الناس عن الجهاد إلى الكسب لإغناء عيالهم ، وما استنبطه السبكي من هذا أن الفقيه أو المعيد أو المدرس إذا مات يعطى ممونه مما كان يأخذه ما يقوم به ترغيبا له في العلم فإن فضل شيء صرف لمن يقوم بالوظيفة ولا نظر لاختلال الشرط فيهم ; لأنهم تبع لأبيهم المتصف به مدة ، فمدتهم مغتفرة في جنب ما مضى كزمن البطالة ، والممتنع إنما هو تقرير من لا يصلح ابتداء رد بظهور الفرق بين المرتزق وغيره ، وهو أن العلم محبوب للنفوس لا يصد شيء عنه فوكل الناس فيه إلى ميلهم إليه ، والجهاد مكروه للنفوس فيحتاج الناس في إرصاد أنفسهم عليه إلى تألف ، وأن الإعطاء من الأموال العامة وهي أموال المصالح أقرب من الخاصة كالأوقاف ، فلا يلزم من التوسع في تلك التوسع في هذه ; لأنه مال معين مقيد بتحصيل مصلحة نشر العلم في ذلك المحل فكيف يصرف مع انتفاء الشرط ، وقضية هذا أن مئون العالم يعطون من مال المصالح إلى الاستغناء ولا بعد فيه ( فتعطى ) المستولدة و ( الزوجة حتى تنكح ) أو تستغني بكسب أو غيره فإن لم تنكح فإلى الموت وإن رغب فيها كما اقتضاه إطلاقهم وإن نظر فيه ( والأولاد ) ذكورا أو إناثا ( حتى يستقلوا ) أي يستغنوا ولو قبل بلوغهم بكسب أو نحو وصية أو وقف أو نكاح للأنثى أو جهاد للذكر ، وكذا بقدرته على الكسب إذا بلغ كما هو ظاهر ; لأنه بالبلوغ صلح للجهاد ، فإذا تركه مع قدرته على الكسب لم يعط ثم الخيرة في وقت العطاء إلى الإمام كجنس المعطى .

                                                                                                                            نعم لا يفرق الفلوس .

                                                                                                                            [ ص: 142 ] وإن راجت وله إسقاط بعضهم لكن بسبب لا بغيره

                                                                                                                            ويجيب طالب إثبات اسمه إن رآه أهلا وفي المال سعة ، ولبعضهم إخراج نفسه إن استغنى لا مع الحاجة لغير عذر فلا يجوز .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله ثم بالدين ) أي فيقدم الأورع في الدين [ ص: 141 ] قوله : والممتنع إنما هو إلخ ) قال سم على حج : قوله والممتنع إلخ هذا يفيد تجويز تقرير من لا يصلح للتدريس عوضا عن أبيه ويستناب عنه كما يفيده قوله فإن فضل شيء صرف لمن يقوم بالوظيفة وقضية فرق غيره امتناع هذا ، وعليه فهل يستثنى ما لو شرط الواقف أن تكون الوظيفة بعد موت المدرس لولده وأنه يستناب عنه إن لم يصلح لمباشرتها حتى يجوز تقرير الولد قبل صلاحه ويستناب أولا فيقرر غيره إلى صلاحه فيعزل الأول ويقرر هو فيه نظر انتهى .

                                                                                                                            أقول : والأقرب أنه يقرر عملا بشرط الواقف ويستناب عنه ( قوله : نعم لا يفرق الفلوس إلخ ) تخصيص الاستثناء بالفلوس يقتضي أنه له دفع غيرها من العروض كالحبوب والثياب ، ويراعى في تفرقتها القيمة ، لكن على هذا ينظر [ ص: 142 ] وجه تخصيص الفلوس بعدم الإخراج مع جواز غيرها .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 140 ] قوله : كما بحثه الجلال البلقيني ) قال الشهاب سم : إن كان المعنى أن عيال المرتزق إذا كان بهم عمى أو زمانة أو [ ص: 141 ] عجز عن الغزو يثبتون تبعا له فهذا أوضح من أن يحتاج لبحث الجلال ; لأنهم لم يعطوا للقتال بل أعطي هو ما يكفي مؤنتهم ( قوله : لكن يمحى اسمه إلخ ) أي ندبا لا وجوبا على قياس ما مر بل أولى بعدم الوجوب ، والشهاب حج يرى الوجوب هنا وهناك ( قوله : وظاهر كلام ابن الرفعة تفريعا على المعتمد عدم اشتراط مسكنته إلخ ) هو تابع في هذا لحج لكن ذاك معتمده الوجوب لا الندب كما عرفت ، وكلام ابن الرفعة مفرع عليه لا على الندب الذي اختاره الشارح ( قوله : فإن لم تنكح ) أي ولم تستغن [ ص: 142 ] قوله : ويجيب طالب إثبات اسمه إلخ ) انظره مع ما مر له اختياره ( قوله : إن استغني ) هو بالبناء للمفعول من باب الحذف والإيصال : أي إن استغني عنه ، وعبارة التحفة : ولبعضهم إخراج نفسه لعذر مطلقا ولغيره إلا إن احتجنا إليه




                                                                                                                            الخدمات العلمية