الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( فإن عاودها الدم في العادة فهل تلتفت إليه على روايتين ) وأطلقهما ابن عبيدان ، والزركشي ، والفائق ، والشرح ، والكافي ، والمغني إحداهما : تلتفت إليه بمجرد العادة فتجلسه ، وهو المذهب ، قال في الكافي : وهو الأولى . قال في مجمع البحرين : هذا أظهر الروايتين ، واختاره القاضي في روايته ، وجزم به في الوجيز ، والمنور ، والمنتخب ، وتجريد العناية ، والإفادات ، ونظم نهاية ابن رزين ، وغيرهم ، وصححه في التصحيح ، والنظم ، وقدمه في الفروع والمحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، وابن رزين في شرحه . والرواية الثانية : لا تلتفت إليه حتى يتكرر ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، واختاره ابن أبي موسى . قال أبو بكر : وهو الغالب عن أبي عبد الله في الرواية . وعنه مشكوك فيه . فتصوم وتصلي ، وتقضي الصوم للفرض على سبيل الاحتياط كدم النفساء العائد من مدة النفاس .

[ ص: 374 ] تنبيه : محل الخلاف : إذا عاد في العادة ، ولم يتجاوزها . فأما إن جاوز العادة فلا يخلو : إما أن يجاوز أكثر الحيض أو لا . فإن جاوز أكثر الحيض فليس بحيض وإن انقطع لأكثر الحيض فما دون . فمن قال في المسألة الأولى : ليس العائد بحيض ، فهنا أولى أن لا يكون حيضا . ومن قال : هو حيض هناك وهو المذهب فهنا ثلاثة أوجه . أحدها : أن الجميع ليس بحيض إذا لم يتكرر ، وهو الصحيح ، جزم به في الكافي ، وقدمه في مجمع البحرين . والوجه الثاني : جميعه حيض ، بناء على الوجه الذي ذكرنا : أنه اختيار المصنف في أن الزائد على العادة حيض ، ما لم يعبر أكثر الحيض . وأطلقهما في الرعايتين ، والحاويين . والوجه الثالث : ما وافق العادة فهو حيض . وما زاد عليها فليس بحيض . وأطلقهن ابن عبيدان ، والزركشي ، والشرح ، والمغني ، وابن رزين في شرحه ، وابن تميم . وأما إذا عاودها بعد العادة ، فلا يخلو : إما أن يمكن جعله حيضا أو لا . فإن أمكن جعله حيضا ، بأن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما . فتلفق إحداهما إلى الأخرى . ويجعلان حيضة واحدة إذا تكرر ، أو يكون بينهما أقل الطهر ثلاثة عشر يوما على المذهب . وكل من الدمين يصلح أن يكون حيضا بمفرده . فيكونان حيضتين إذا تكرر ، وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض . فهو دم فاسد ، إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده ، وإن لم يمكن جعله حيضا لعبوره أكثر الحيض . وليس بينه وبين الدم الأول أقل الطهر . فهو استحاضة ، سواء تكرر أو لا . ويظهر ذلك بالمثال . فنقول : إذا كانت العادة عشرة أيام مثلا . فرأت منها خمسة دما . وطهرت الخمسة الباقية . ثم رأت خمسة دما ، وتكرر ذلك . فالخمسة [ ص: 375 ] الأولى والثالثة : حيضة واحدة ، تلفق الدم الثاني إلى الأول ، وإن رأت الثاني ستة أو سبعة ، لم يمكن أن يكون حيضا . ولو كانت رأت يوما دما وثلاثة عشر يوما طهرا ، ثم رأت يوما دما وتكرر هذا ، كانا حيضتين .

لوجود طهر صحيح بينهما . ولو كانت رأت يومين دما ، ثم اثنتي عشر طهرا ، ثم يومين دما . فهنا لا يمكن جعلها حيضة واحدة ; لزيادة الدمين ، مع ما بينهما من الطهر على أكثر الحيض ، ولا جعلهما حيضتين على المذهب ، لانتفاء طهر صحيح . فيكون حيضها منهما : ما وافق العادة والآخر استحاضة .

فائدتان إحداهما : اختلف الأصحاب في مراد الخرقي بقوله " فإن عاودها الدم فلا تلتفت إليه حتى تجيء أيامها " فقال أبو الحسن التميمي ، والقاضي ، وابن عقيل : مراده إذا عاودها بعد العادة ، وعبر أكثر الحيض . بدليل أنه منعها أن تلتفت إليه مطلقا . ولو أراد غير ذلك لقال : حتى يتكرر . وقدمه ابن رزين في شرحه . قال القاضي : ويحتمل أنه أراد إذا عاودها بعد العادة ولم يعبر . فإنها لا تلتفت إليه قبل التكرار . وقال أبو حفص العكبري : أراد معاودة الدم في كل حال ، سواء كان في العادة أو بعدها ; لأن لفظه مطلق . فيتناول بإطلاقه الزمان . قال المصنف في المغني : وهذا أظهر ، قال الزركشي : وهو الظاهر ، اعتمادا على الإطلاق . وسكت عن التكرار لتقدمه له فيما إذا زادت العادة أو تقدمت . وعلى هذا : إذا عبر أكثر الحيض لا يكون حيضا انتهى . واختاره الأصفهاني في شرحه ، وصححه ابن رزين في شرحه . الثانية : إذا عاودها الدم في أثناء العادة وقلنا لا تحتاج إلى تكرار وجب قضاء ما صامته في الطهر وطافته فيه . ذكره ابن أبي موسى . وقال ابن تميم : وقياس قول أحمد في مسألة النفاس : لا يجب قضاء ذلك . قال : وهو أصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية