الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تقدر الحاضنة على إبطال حق الصغير فيها ) حتى لو اختلعت على أن تترك ولدها عند التزوج صح الخلع . [ ص: 560 ] وبطل الشرط لأنه حق الولد ، فليس لها أن تبطله بالشرط ; ولو لم يوجد غيرها أجبرت بلا خلاف فتح ، وهذا يعم ما لو وجد وامتنع من القبول بحر ، وحينئذ فلا أجرة لها جوهرة .

التالي السابق


( قوله : ولا تقدر الحاضنة إلخ ) اختلف في الحضانة ، هل هي حق الحاضنة ، أو حق الولد ؟ فقيل بالأول فلا تجبر إذا امتنعت ورجحه غير واحد .

[ ص: 560 ] وعليه الفتوى . وقيل بالثاني فتجبر ، واختاره الفقهاء الثلاثة أبو الليث والهندواني وخواهر زاده ، وأيده في الفتح بما في كافي الحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد من مسألة الخلع المذكورة . قال : فأفاد : أي كلام الحاكم أن قول الفقهاء جواب ظاهر الرواية . قال في البحر : فالترجيح قد اختلف ، والأولى الإفتاء بقول الفقهاء الثلاثة ، لكن قيده في الظهيرية بأن لا يكون للصغير ذو رحم محرم ، حينئذ تجبر الأم كي لا يضيع الولد ; أما لو امتنعت الأم وكان له جدة رضيت بإمساكه دفع إليها لأن الحضانة كانت حقا للأم فصح إسقاطها حقها ، وعزي هذا التفصيل للفقهاء الثلاثة . وعلله في المحيط بأنها لما أسقطت حقها بقي حق الولد ، فصارت بمنزلة الميتة ، أو المتزوجة فتكون الجدة أولى ا هـ ما في البحر ملخصا

قلت : ويؤخذ من هذا التوفيق بين القولين ، وذلك أن ما في المحيط يدل على أن لكل من الحاضنة والمحضون حقا في الحضانة ، ومثله ما قدمناه عن المفتي أبي السعود ; فقول من قال " إنها حق الحاضنة فلا تجبر " محمول على ما إذا لم تتعين لها ، واقتصر على أنها حقها لأن المحضون حينئذ لا يضيع حقه لوجود من يحضنه غيرها ، ومن قال " إنها حق المحضون فتجبر " محمول على ما إذا تعينت واقتصر على أنها حقه لعدم من يحضنه غيرها . والدليل على ذلك أيضا ما مر عن الظهيرية حيث عزي إلى الفقهاء الثلاثة القائلين بالجبر أنها تجبر عندهم إذا لم يوجد غيرها لا إذا وجد .

وأما قوله : في النهر إن ما في الظهيرية ليس بظاهر لما في الفتح من أنه إذا لم يوجد غيرها أجبرت بلا خلاف ، ففيه نظر لأنه على ما علمت من التوفيق يرتفع الخلاف أصلا وإن كان حكاية القولين تفيد الخلاف فيما إذا وجد غيرها ، ولكن حيث أمكن التوفيق كان أولى ويكون الخلاف لفظيا ، وكم له من نظير ، فاغتنم هذا التحرير . ( قوله : لأنه ) أي الحضانة وذكر الضمير نظرا للخبر ط . ( قوله : أجبرت بلا خلاف ) ولو وجد غيرها لم تجبر بلا خلاف أيضا على ما ذكرناه من التوفيق . ( قوله : وهذا يعم إلخ ) أي قوله " ولو لم يوجد غيرها " يشمل عدم الوجود حقيقة وعدمه حكما ، بأن وجد غيرها وامتنع . وعبارة البحر هكذا : وظاهر كلامهم أن الأم إذا امتنعت وعرض على من دونها من الحاضنات فامتنعت أجبرت الأم لا من دونها . ( قوله : وحينئذ ) أي حين لم يوجد غيرها فلا أجرة لها لأنها قامت بأمر واجب عليها شرعا ط . وعبارة الجوهرة : إذا كان لا يوجد سواها تجبر على إرضاعه صيانة له عن الهلاك وعليه لا أجرة لها . ا هـ . فكلام الجوهرة في الرضاع وكأن الشارح قاس الحضانة عليه ، لكن الظاهر أن ما في الجوهرة بحث منه كما يشعر به قوله : وعليه لا أجرة لها .

ويخالفه ما في الهندية وغيرها : لو استؤجر له من ترضعه شهرا ثم مضى ولم يأخذ ثدي غيرها تجبر على إبقاء الإجارة ، فإن مقتضاه أنها تستحق الأجرة وإلا لقيل تجبر على الإرضاع مجانا . ورأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني قال البرجندي : تجبر الأم على الحضانة إذا لم يكن لها زوج ، والنفقة على الأب .

وفي المنصورية أن أم الصغيرة إذا امتنعت عن إمساكها ولا زوج للأم تجبر عليه وعليه الفتوى . وقال الفقيه أبو جعفر . تجبر وينفق عليها من مال الصغيرة ، وبه أخذ الفقيه أبو الليث ، فهذا نص في أن الأجرة تؤخذ مع [ ص: 561 ] الجبر ا هـ ويأتي بيان وجهه قريبا .




الخدمات العلمية