الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3223 67 - حدثني إسحاق بن إبراهيم، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا عوف، عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء؛ استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة; لأن فيه ذكر موسى - صلى الله عليه وسلم - فمن هذه الحيثية يؤخذ الوجه لذكره في الترجمة المذكورة، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وروح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين أبو محمد البصري، وعوف بن أبي جميلة المعروف بالأعرابي وليس بأعرابي، والحسن هو البصري، ومحمد هو ابن سيرين، وخلاس بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وفي آخره سين مهملة ابن عمرو الهجري البصري.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الغسل، فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسحاق، وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد، وقد مضى الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  وأما الكلام في الرواة فنقول: أما محمد بن سيرين فإن سماعه من أبي هريرة ثابت، وأما الحسن فلم يسمع من أبي هريرة عند المحققين من الحفاظ، ويقولون: ما وقع في بعض الروايات من سماعه عنه فهو وهم، وأما البخاري فإنه أخرجه عنه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هنا مقرونا بغيره وما له في الكتاب إلا هذا، وله حديث آخر في بدء الخلق مقرونا بابن سيرين أيضا، وأما خلاس ففي سماعه عن أبي هريرة خلاف; فقال أبو داود عن أحمد: لم يسمع خلاس من أبي هريرة، ويقال: إنه كان على شرطة علي رضي الله تعالى عنه، وحديثه عنه في الترمذي والنسائي، وجزم يحيى القطان أن روايته عنه من صحيفة، وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: كان يحيى القطان يقول: روايته عن علي من كتاب، وقد سمع من عمار وعائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، قيل: إذا ثبت سماعه من عمار وكان على شرطة علي فكيف يمتنع سماعه من علي رضي الله تعالى عنه؟! وقال أبو حاتم: يقال: وقعت عنده صحيفة علي رضي الله عنه، وليس بقوي يعني في علي ووثقه بقية الأئمة وما له في البخاري سوى هذا الحديث، فإنه أخرجه له مقرونا بغيره، وأعاده سندا ومتنا في تفسير سورة الأحزاب، وله حديث آخر أخرجه في الأيمان والنذور مقرونا بمحمد بن سيرين عن أبي هريرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حييا " أي كثير الحياء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ستير" على وزن فعيل بمعنى فاعل أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أدرة" بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور، وحكى الطحاوي رحمه الله عن بعض مشايخه بفتح الهمزة والدال، وقال ابن الأثير: الأدرة بالضم نفخة في الخصية يقال: رجل آدر بين الأدر بفتح الهمزة والدال [ ص: 302 ] وهي التي تسميها الناس الإقليط.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وإما آفة" من قبيل عطف العام على الخاص.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عدا بثوبه" بالعين المهملة أي مضى به مسرعا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثوبي حجر" يعني رد ثوبي يا حجر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ضربا " أي يضرب ضربا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لندبا" بفتح النون والدال، وهو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فوالله إن بالحجر لندبا" ظاهره أنه بقية الحديث، وقد بين في رواية همام في الغسل أنه قول أبي هريرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثلاثا أو أربعا أو خمسا" وفي رواية همام المذكورة: ستة أو سبعة، ووقع عند ابن مردويه من رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة الجزم بست ضربات.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فذلك قوله تعالى" أي ما ذكر من أذى بني إسرائيل موسى نزل فيه قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا خطاب لأهل المدينة.

                                                                                                                                                                                  قوله: لا تكونوا كالذين آذوا موسى أي احذروا أن تكونوا مؤذين للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما آذى بنو إسرائيل موسى - صلى الله عليه وسلم - فأظهر الله براءته مما قالوه فيه من أنه آدر، وقيل: كان إيذاؤهم إياه ادعاؤهم عليه قتل أخيه هارون - صلى الله عليه وسلم - قوله: "وكان أي موسى عند الله وجيها " أي ذا جاه ومنزلة، وقيل: وجيها لم يسأل شيئا إلا أعطاه وقرئ شاذا "وكان عبد الله" بالباء الموحدة. وفي الحديث: إن اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم، وكان اغتسال موسى صلى الله تعالى عليه وسلم وحده لكونه حييا يحب الاستتار.

                                                                                                                                                                                  وفيه جواز المشي عريانا للضرورة، وفيه جواز النظر إلى العورة عند الضرورة للمداواة ونحوها، وفيه أن الأنبياء صلى الله تعالى عليهم وسلم منزهون عن النقائص والعيوب الظاهرة والباطنة، وفيه أن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقه فقد آذاه ويخشى عليه الكفر، وفيه معجزة ظاهرة لموسى عليه الصلاة والسلام، ولا سيما تأثير ضربه بالعصا على الحجر مع علمه بأنه ما سار بثوبه إلا بأمر من الله تعالى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية