الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في بيان المراد من قول الله تعالى: وفي الرقاب وكذا من قوله: وفي سبيل الله وهما من آية الصدقات، وهي قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية، اقتطعهما منها للاحتياج إليهما في جملة مصارف الزكاة وهي ثمانية، من جملتها الرقاب وهو جمع رقبة، والمراد المكاتبون يعانون من الزكاة في فك رقابهم، وهو قول أكثر العلماء، منهم: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والزهري، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، والليث، وهو رواية ابن القاسم وابن نافع عن الليث، وفي المغني: وإليه ذهب أحمد.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن تيمية: إن كان معه وفاء لكتابته لم يعط لأجل فقره؛ لأنه عبد، وإن لم يكن معه شيء أعطي الجميع، وإن كان معه بعضه تمم، سواء كان قبل حلول النجم أو بعده؛ كيلا يحل النجم، وليس معه شيء، فتفسخ الكتابة.

                                                                                                                                                                                  ويجوز دفعها إلى سيده، وعند الشافعية: إن لم يحل عليه نجم ففي صرفه إليه وجهان، وإن دفعه إليه فأعتقه المولى أو أبرأه من بدل الكتابة أو عجز نفسه، والمال في يد المكاتب رجع فيه، قال النووي: وهو المذهب.

                                                                                                                                                                                  قوله: وفي سبيل الله وهو منقطع الغزاة عند أبي يوسف ومنقطع الحاج عند محمد. وفي المبسوط: وفي سبيل الله فقراء الغزاة عند أبي يوسف وعند محمد فقراء الحاج.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن المنذر: وفي الأشراف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد: سبيل الله هو الغازي غير الغني، وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة أنه الغازي دون الحاج، وذكر ابن بطال أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ومثله النووي في شرح المهذب.

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب التوضيح: وأما قول أبي حنيفة: "لا يعطى الغازي من الزكاة إلا أن يكون محتاجا" فهو خلاف ظاهر الكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى: وفي سبيل الله وأما السنة: فروى عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها أو لغاز في سبيل الله أو غني اشتراها بماله أو فقير تصدق عليه فأهدى لغني أو غارم .. " وأخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم ، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه أبو داود مرسلا.

                                                                                                                                                                                  قلت: ما أحسن الأدب! سيما مع الأكابر، وأبو حنيفة لم يخالف الكتاب ولا السنة، وإنما عمل بالسنة فيما ذهب إليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم "لا تحل [ ص: 45 ] الصدقة لغني" وقال: المراد من قوله: "لغاز في سبيل الله" هو الغازي الغني بقوة البدن والقدرة على الكسب لا الغني بالنصاب الشرعي، بدليل حديث معاذ: "وردها إلى فقرائهم".



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية