الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1514 183 - حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا زياد بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة قد ذكرناها آنفا، ورجاله ستة: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان بن عيينة، وزياد -بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف -ابن سعد بن عبد الرحمن يكنى أبا عبد الرحمن الخراساني من أهل بلخ، يقال: إنه من العرب، سكن مكة وانتقل منها إلى اليمن، فسكن في قرية اسمها عك ومات بها، يروي عن محمد بن مسلم الزهري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عمر.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي في الحج وفي التفسير عن قتيبة بن سعيد.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: (يخرب الكعبة) فعل ومفعول وذو السويقتين فاعله، وهذه تثنية سويقة، والسويقة مصغر الساق، وألحق بها التاء في التصغير؛ لأن الساق مؤنثة والتصغير للتحقير والإشارة إلى الدقة؛ لأن في سيقان الحبشة دقة وخموشة، والتقدير: يخرب الكعبة ضعيف من هذه الطائفة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من الحبشة) كلمة من بيانية، أي: من هذا الجنس من بني آدم، قالوا: الحبش جنس من السودان، وهم الأحبش والحبشان، والحبشة ليس بصحيح في القياس؛ لأنه لا واحد له على مثال فاعل، فيكون مكسرا على فعله، والأحبوش جماعة الحبش، قال العجاج:


                                                                                                                                                                                  كأن صيران المهى الأخلاط بالرمل أحبوش من الأنباط



                                                                                                                                                                                  وقيل: هم الجماعة أيا كانوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا اسودوا، وفي الصحاح: الحبش والحبشة جنس من السودان.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن دريد: فأما قولهم الحبشة فعلى غير قياس، وقد قالوا حبشان أيضا، ولا أدري كيف هو.

                                                                                                                                                                                  قلت: إنكارهم لفظ الحبشة على هذا الوزن لا وجه له؛ لأنه ورد في لفظ الفصيح بل أفصح الناس.

                                                                                                                                                                                  وقال الرشاطي: وهم من ولد كوش بن حام، وهم أكثر ملوك السودان، وجميع ممالك السودان يعطون الطاعة للحبش.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو حنيفة الدينوري: كان أولاد حام سبعة إخوة كأولاد سام: السند والهند والزنج والقبط والحبش والنوبة وكنعان، فأخذوا ما بين الجنوب والدبور والصبا.

                                                                                                                                                                                  وروى سفيان بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا، وإن فيهم حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس".

                                                                                                                                                                                  وقال ابن هشام في التيجان: أول من جرى لسان الحبشة على لسانه سحلب بن أداد بن ناهس بن سرعان بن حام بن نوح عليه السلام، ثم تولدت من هذا اللسان ألسن استخرجت منه، وهذا هو الأصل.

                                                                                                                                                                                  وجاء في تخريب الكعبة أحاديث منها: حديث ابن عباس وعائشة، بوب عليه البخاري بقوله: "باب هدم الكعبة" على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه أبو داود الطيالسي بسند صحيح في: "يبايع لرجل بين الركن والمقام" وأول من يستحل هذا البيت أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده، وهم الذين يستخرجون كنزه .

                                                                                                                                                                                  وذكر الحليمي أن ذلك في زمن عيسى عليه السلام، وأن الصريخ يأتيه بأن ذا السويقتين قد سار إلى البيت يهدمه، فيبعث إليه عيسى عليه الصلاة والسلام طائفة بين الثمان إلى التسع.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه أبو نعيم بسند فيه مجهول كأني أنظر إلى أصيلع أقرع أفحج على ظهر الكعبة يهدمها بالكرزنة .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اتركوا الحبشة [ ص: 233 ] ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة".

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه أحمد من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلب حليها ويجردها من كسوتها، وكأني أنظر إليه أصيدع أفيدع يضرب عليها مسحاته ومعوله".

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه ابن الجوزي من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه طول.

                                                                                                                                                                                  وفيه: "وخراب مكة من الحبشة على يد حبشي، أفحج الساقين، أزرق العينين، أفطس الأنف، كبير البطن، معه أصحابه، ينقضونها حجرا حجرا، ويتناولونها حتى يرموا بها يعني الكعبة إلى البحر، وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد" وفي كتاب الغريب لأبي عبيد عن علي رضي الله تعالى عنه: "استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه فكأني برجل من الحبشة أصلع وأصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم" وخرجه الحاكم مرفوعا.

                                                                                                                                                                                  وفيه: "أصمع أقرع بيده معول وهو يهدمها حجرا حجرا".

                                                                                                                                                                                  وذكر الغزالي في مناسكه: "لا تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال، ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به أحد من الأوتاد، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض، فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة ليس منها أثر، وهذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد، ثم يرفع القرآن العظيم من المصاحف، ثم من القلوب، ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية، ثم يخرج الدجال وينزل عيسى عليه الصلاة والسلام".

                                                                                                                                                                                  وفي كتاب الفتن لنعيم بن حماد: حدثنا بقية، عن صفوان، عن شريح، عن كعب: تخرج الحبشة خرجة ينتهون فيها إلى البيت، ثم يتفرغ إليهم أهل الشام فيجدونهم قد افترشوا الأرض فيقتلونهم أودية بني علي، وهي قريبة من المدينة حتى إن الحبشي يباع بالشملة.

                                                                                                                                                                                  قال صفوان: وحدثني أبو اليمان، عن كعب قال: يخربون البيت وليأخذن المقام، فيدركون على ذلك، فيقتلهم الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  وفيه: ويخرجون بعد يأجوج.

                                                                                                                                                                                  وعن عبد الله بن عمرو: تخرج الحبشة بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، فيبعث عيسى طائفة فيهزمون، وفي رواية: يهدم مرتين ويرفع الحجر في المرة الثالثة، وفي رواية: ويرفع في الثانية، وفي رواية: ويستخرجون كنز فرعون بمنوف من الفسطاط ويقتلون بوسيم، وفي لفظ: فيأتون في ثلاثمائة ألف عليهم أسيس أو أسيس.

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي: وقيل: إن خرابه يكون بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف، وذلك بعد موت عيسى عليه الصلاة والسلام وهو الصحيح.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: قال تعالى: حرما آمنا وهو يعارض ما ذكرتم من هذه الأشياء؟

                                                                                                                                                                                  قلت: قالوا: لا يلزم من قوله: حرما آمنا أن يكون ذلك دائما في كل الأوقات، بل إذا حصلت له حرمة وأمن في وقت ما صدق عليه هذا اللفظ، وصح المعنى، ولا يعارضه ارتفاع ذلك المعنى في وقت آخر.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أحل لي مكة ساعة من نهار ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة".

                                                                                                                                                                                  قلت: الحكم بالحرمة والأمر لا يرتفع إلى يوم القيامة، أما وقوع الخوف فيها وترك الحرمة فقد وجد من ذلك في أيام يزيد وغيره كثيرا.

                                                                                                                                                                                  وقال عياض: حرما آمنا أي إلى قرب القيامة.

                                                                                                                                                                                  وقيل: يختص منه قصة ذي السويقتين.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الجوزي: إن قيل: ما السر في حراسة الكعبة من الفيل ولم تحرس في الإسلام مما صنع بها الحجاج والقرامطة وذو السويقتين؟

                                                                                                                                                                                  فالجواب: إن حبس الفيل كان من أعلام النبوة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلائل رسالته؛ لتأكيد الحجة عليهم بالأدلة التي شوهدت بالبصر قبل الأدلة التي ترى بالبصائر، وكان حكم الحبس أيضا دلالة على وجود الناصر.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية