الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وهو ) أي المكروه ( في عرف المتأخرين : للتنزيه ) يعني أن المتأخرين اصطلحوا على أنهم إذا أطلقوا الكراهة ، فمرادهم التنزيه ، لا التحريم ، وإن كان عندهم لا يمتنع أن يطلق على الحرام ، لكن قد جرت عادتهم وعرفهم : أنهم إذا أطلقوه أرادوا التنزيه لا التحريم . وهذا مصطلح لا مشاحة فيه .

( ويطلق ) المكروه ( على الحرام ) وهو كثير في كلام الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وغيره من المتقدمين . ومن كلامه " أكره المتعة ، والصلاة في المقابر " وهما محرمان ، لكن لو ورد عن الإمام أحمد الكراهة في شيء من غير أن يدل دليل من خارج على التحريم ولا على التنزيه : فللأصحاب فيها وجهان . أحدهما - واختاره الخلال وصاحبه عبد العزيز وابن حامد وغيرهم - أن المراد التحريم .

والثاني - واختاره جماعة من الأصحاب - أن المراد التنزيه . ومن كلام أحمد " أكره النفخ في الطعام ، وإدمان اللحم والخبز الكبار " وكراهة ذلك للتنزيه . وقد ورد المكروه [ ص: 130 ] بمعنى الحرام في قوله تعالى ( { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } ) ( وترك الأولى ، وهو ) أي ترك الأولى ( ترك ما فعله راجح ) على تركه ( أو عكسه ) وهو فعل ما تركه راجح على فعله ( ولو لم ينه عنه ) أي عن الترك ( كترك مندوب ) قال ابن قاضي الجبل : وتطلق الكراهة في الشرع بالاشتراك على الحرام ، وعلى ترك الأولى ، وعلى كراهة التنزيه . وقد يزاد : ما فيه شبهة وتردد ( ويقال لفاعله ) أي فاعل المكروه ( مخالف ، ومسيء ، وغير ممتثل ) مع أنه لا يذم فاعله ، ولا يأثم على الأصح . قال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه - فيمن زاد على التشهد الأول : وقال ابن عقيل - فيمن أمر بحجة أو عمرة في شهر ، ففعله في غيره - : أساء لمخالفته .

وذكر غيره - في مأموم وافق إماما في أفعاله - : أساء . وظاهر كلام بعضهم : تختص الإساءة بالحرام . فلا يقال : أساء إلا لفعل محرم . وذكر القاضي وابن عقيل : يأثم بترك السنن أكثر عمره ، لقوله عليه الصلاة والسلام { من رغب عن سنتي فليس مني } متفق عليه . ولأنه متهم أن يعتقده غير سنة ، واحتجا بقول أحمد رضي الله عنه - فيمن ترك الوتر - : رجل سوء ، مع أنه سنة . قال في شرح التحرير : والذي يظهر : أن إطلاق الإمام أحمد : أنه رجل سوء ، إنما مراده من اعتقد أنه غير سنة ، وتركه لذلك . فيبقى كأنه اعتقد السنة التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم غير سنة ، فهو مخالف

للرسول صلى الله عليه وسلم ومعاند لما سنه ، أو أنه تركه بالكلية ، وتركه له كذلك يدل على أن في قلبه ما لا يريده الرسول صلى الله عليه وسلم

التالي السابق


الخدمات العلمية