الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما صلاة شعبان .

فليلة الخامس عشر منه ، يصلي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ ،
في كل ركعة بعد الفاتحة قل ، هو الله أحد إحدى عشرة مرة ، وإن شاء صلى عشر ركعات ، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة ، مائة مرة قل هو الله أحد فهذا أيضا مروي في جملة الصلوات كان السلف يصلون هذه الصلاة ، ويسمونها صلاة الخير ، ويجتمعون فيها ، وربما صلوها جماعة .

روي عن الحسن أنه قال حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة .

التالي السابق


( أما صلاة شعبان فليلة الخامس عشر منه، يصلي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة، ويقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد عشر مرات، وإن شاء صلى عشر ركعات، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة: قل هو الله أحد، مائة مرة) أي أن المقصود قراءة سورة الإخلاص ألف مرة في الصلاة، وبأي كيفية أديت أجزأت ( فهذه الصلاة أيضا مروية فقي جلة الصلوات) المستحبات ( كان السلف يصلون هذه الصلاة، ويسمونها صلاة الخير، ويجتمعون فيها، وربما صلوها جماعة) ، ولفظ القوت، فأما ليلة النصف من شعبان فقد كانوا يصلون فيها مائة ركعة بألف مرة قل هو الله أحد، عشرا في كل ركعة، ويسمون هذه الصلاة صلاة الخير، ويتعرفون بركتها، ويجتمعون فيها، وربما صلوها جماعة .

( روي عن الحسن أنه قال) ، ولفظ القوت: روينا عن الحسن رحمه الله قال: ( حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه من صلى الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة يقضي) ، ولفظ القوت: قضى ( له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة) ، ثم زاد صاحب القوت فقال: وقد قيل: هذه الليلة هي التي قال الله فيها: فيها يفرق كل أمر حكيم ، وأنه ينسخ فيها أمر السنة، وتدبير الأحكام إلى مثلها من قابل، والله أعلم. والصحيح من ذلك عندي أنه في ليلة القدر، وبذلك سميت؛ لأن التنزيل يشهد بذلك؛ إذ في أول الآية إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، ثم وصفها فقال: فيها يفرق كل أمر حكيم ، فالقرآن إنما أنزل في ليلة القدر، فكانت هذه الآية بهذا الوصف في هذه الليلة مواطئة لقوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وقال العراقي : حديث صلاة ليلة النصف باطل، ولابن ماجه من حديث علي : إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها. وإسناده ضعيف .

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وزاد: فإن الله عز وجل ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء فيقول: ألا مستغفر أغفر له، ألا مسترزق أرزقه حتى تطلع الفجر، وفي إحياء ليلة النصف أحاديث وردت من طرق كثيرة، وأما حديث صلاتها الذي أورده المصنف، فقد أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، فقال: أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الفضل بن محمد المقري، أخبرنا أبو عمر وعبد الرحمن بن طلحة الطلحي، أخبرنا الفضل بن محمد الزعفراني، حدثنا هارون بن سليمان، حدثنا علي بن الحسن بن سفيان الثوري، عن ليث، عن مجاهد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد عشر مرات، ما من عبد يصلي بهذه الصلاة إلا قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة، ثم أطال في الثواب من هذا الجنس قدر صفحة تركت.. ذكره. ثم قال: هذا حديث لا شك أنه موضوع، ورواته مجاهيل، وفيهم ضعفاء، وقد رأينا كثيرا ممن يصلي هذه الصلاة، ويتفق قصر النيل. [ ص: 426 ] فتفوتهم صلاة الفجر، ويصبحون كسالى، ولقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب شبكة لجمع العوام، وطالب الرياسة والتقدم، وملأ بذكرها القصاص مجالسهم، وكل ذلك عن الحق بمعزل، وقد أخرج في كتابه المذكور أيضا صلاة أخرى لهذه الليلة، فيها اثنتا عشرة ركعة، عن ابن ناصر، عن أبي علي بن البناء، عن أحمد بن علي الكاتب، عن أبي سهل القنطري، عن أبي الحسن اليوناني، عن أحمد بن عبد الله بن داود، عن محمد بن جبهان، عن عمر بن عبد الرحيم، عن محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، عن بقية بن الوليد، عن ليث بن أبي سليم، عن القعقاع بن شور، عن أبي هريرة مرفوعا: "من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة: قل هو الله أحد ثلاثين مرة، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة". ثم قال: موضوع فيه مجاهيل قبل ليث وبقية، فالبلاء منهم .

وذكر صلاة أخرى لهذه الليلة فيها أربع عشرة ركعة أخرجه من طريق الجوزقاني، عن أبي الحسين الكرخي، عن أبي عبد الله الخطيب، عن أبي القاسم الحسكاني، حدثني أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن، حدثنا أبو جعفر محمد بن بسطام القدسي، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن جابر، حدثنا أحمد بن عبد الكريم، حدثنا خالد الخصي، عن عثمان بن سعيد بن كثير، عن محمد بن المهاجر، عن الحكم بن عيينة، عن إبراهيم قال: قال علي بن أبي طالب : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة، ثم جلس بعد الفراغ فقرأ بأم القرآن أربع عشرة مرة، وقل هو الله أحد أربع عشرة مرة، وقل أعوذ برب الفلق أربع عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس أربع عشرة مرة، وآية الكرسي مرة، لقد جاءكم رسول الآية، فلما فرغ من صلاته سألته عما رأيته من صنيعه فقال: من صنع مثل الذي رأيت كان له كعشرين حجة مبرورة، وكصيام عشرين سنة مقبولة، فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان له كصيام سنتين: سنة ماضية، وسنة مستقبلة، ثم قال: موضوع، وإسناده مظلم، ومحمد بن المهاجر يضع .

قلت: وذكر السيوطي أن هذا الحديث أخرجه البيهقي في الشعب فقال: أخبرنا عبد الخالق بن علي المؤذن بالسند المذكور، وقال: يشبه أن يكون هذا الحديث موضوعا، وهو منكر، وفي رواته قبل عثمان بن سعيد مجهولون، والله أعلم .



وأما ما ذكره المصنف، عن الحسن أنه قال: حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلخ، فرأيت في مسند الفردوس للديلمي ما يقاربه قال: أخبرنا أبي أخبرنا أبو الفضل القعياني، أخبرنا الغلابي، أخبرنا أبو القاسم الفناكي، حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن العزرمي، حدثنا عمرو بن ثابت، عن محمد بن مروان الذهلي، عن أبي يحيى، حدثني أربعة وثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة: قل هو الله أحد في مائة ركعة لم يخرج من الدنيا حتى يبعث الله إليه في منامه ملك يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من النار، وثلاثون من أن يخطئ وعشر يكيدون من عاداه. وأخرجه ابن الجوزي من طريق يزيد بن محمد بن مروان، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعا فذكر مثله سواء، وأما قول المصنف: وإن شاء صلى عشر ركعات إلخ، فأخرجه ابن الجوزي، عن ابن ناصر، عن ابن البناء، عن أبي عبد الله العلاف، عن أبي القاسم الفامي، عن علي بن بندار البرذعي، عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الله: سمعت أبي يقول: حدثنا علي بن عاصم بن عمرو بن مقدام، عن جعفر بن محمد، عن أبيه مرفوعا: "من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد في عشر ركعات لم يمت حتى يبعث الله إليه مائة ملك؛ ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من العذاب، وثلاثون يقومونه أن يخطئ وعشرة أملاك يكبتون أعداءه، وقال: مع كونه منقطعا موضوع فيه مجاهيل .

وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية في العلم المشهور: حديث ليلة النصف من شعبان موضوع. قال أبو حاتم محمد بن حبان : محمد بن مهاجر يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحديث أنس فيها موضوع أيضا؛ لأن فيه إبراهيم بن إسحاق، قال أبو حاتم : كان يقلب الأخبار، ويسرق الحديث، وفيه وهب بن وهب القاضي أكذب [ ص: 427 ] الناس. اهـ، وقال التقي السبكي في تقييد التراجيح: الاجتماع لصلاة ليلة النصف من شعبان، ولصلاة الرغائب بدعة مذمومة. وقال النووي : هاتان الصلاتان بدعتان موضوعتان منكرتان قبيحتان، ولا تغتر بذكرهما في كتاب القوت والإحياء، وليس لأحد أن يستدل على شرعيتهما بقوله صلى الله عليه وسلم: الصلاة خير موضوع، فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه، وقد صح النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة. اهـ .

قلت: وقد ذكر التقي السبكي في تفسيره أن إحياء ليلة النصف من شعبان يكفر ذنوب السنة، وليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع، وليلة القدر تكفر ذنوب العمر. اهـ .



وقد توارث الخلف عن السلف في إحياء هذه الليلة بصلاة ست ركعات بعد صلاة المغرب؛ كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة منها بالفاتحة مرة، والإخلاص ست مرات، وبعد الفراغ من كل ركعتين يقرأ سورة يس مرة، ويدعو الدعاء المشهور بدعاء ليلة النصف من شعبان، ويسأل الله تعالى البركة في العمر، ثم في الثانية البركة في الرزق، ثم في الثالثة حسن الخاتمة، وذكروا أن من صلى هكذا بهذه الكيفية أعطي جميع ما طلب، وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية، ولم أر لها، ولا لدعائها مستندا صحيحا في السنة إلا أنه من عمل المشايخ .

وقد قال أصحابنا: إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي المذكورة في المساجد وغيرها، وقال النجم الغيطي في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان بجماعة أنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز؛ منهم: عطاء، وابن أبي مليكة، وفقهاء أهل المدينة، وأصحاب مالك، وقالوا: ذلك كله بدعة، ولم يثبت في قيامها جماعة شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه .

واختلف علماء الشام على قولين: أحدهما: استحباب إحيائها بجماعة في المسجد، ومن قال بذلك من أعيان التابعين: خالد بن معدان، وعثمان بن عامر، ووافقهم إسحاق بن راهويه.

والثاني كراهة الاجتماع لها في المساجد للصلاة، وإليه ذهب الأوزاعي فقيه الشام، ومفتيهم. اهـ .




الخدمات العلمية