الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال محمد بن المنكدر بلغني أن الكافر يسلط عليه في قبره دابة عمياء صماء في يدها سوط من حديد في رأسه مثل غرب الجمل تضربه به إلى يوم القيامة لا تراه فتتقيه ولا تسمع صوته فترحمه وقال أبو هريرة إذا وضع الميت في قبره جاءت أعماله الصالحة فاحتوشته ، فإن أتاه من قبل رأسه جاء قراءته للقرآن ، وإن أتاه من قبل رجليه جاء قيامه ، وإن أتاه من قبل يده قالت اليدان : والله لقد كان يبسطني للصدقة والدعاء لا سبيل لكم عليه ، وإن جاء من قبل فيه جاء ذكره وصيامه ، وكذلك تقف الصلاة والصبر ناحية فيقول : أما إني لو رأيت خللا لكنت أنا صاحبه . قال سفيان تجاحش عنه أعماله الصالحة كما يجاحش الرجل عن أخيه وأهله وولده ، ثم يقال له عند ذلك : بارك الله لك في مضجعك فنعم الأخلاء أخلاؤك ونعم الأصحاب أصحابك .

التالي السابق


(وقال محمد بن المنكدر) التميمي رحمه الله: (بلغني أن الكافر يسلط عليه في قبره دابة عمياء صماء في يدها سوط من حديد في رأسه مثل عرف الجمل تضربه به إلى يوم القيامة لا تراه فتتقيه ولا تسمع صوته فترحمه) .

رواه ابن أبي الدنيا هكذا عنه بلاغا، ورواه أحمد في المسند موصولا من روايته عن أسماء بنت أبي بكر رفعته فقال: حدثنا حجين بن المثنى، حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال: كانت أسماء تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: إذا دخل الإنسان في قبره فإن كان مؤمنا أحف به عمله الصلاة والصيام فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده ومن نحو الصيام فيرده فيناديه اجلس فيجلس فيقول له، ساق الحديث على نحو ما ذكر [ ص: 419 ] قريبا، وفي آخره تسلط عليه دابة في قبره معها سوط ثمره جمرة مثل عرف البعير تضربه ما شاء الله لا تسمع صوته فترحمه .

وقد أخرج الطبراني طرفا منه في الكبير وحديثها في الصحيح باختصار، وقد تقدم لفظه، قال في الصحاح: ثمر السوط عقد أطرافها، وعرف البعير والفرس والشعر النابت على المعرفة (وقال أبو هريرة ) -رضي الله عنه- ( إذا وضع الميت في قبره جاءت أعماله الصالحة فاحتوشته، فإن أتاه من قبل رأسه جاء قراءته للقرآن، وإن أتاه من قبل رجليه جاء قيامه، وإن أتاه من قبل يديه قالت اليدان: والله لقد كان يبسطني للصدقة والدعاء لا سبيل لكم عليه من قبلي، وإن جاء من قبل فيه جاء ذكره وصيامه، وكذلك تقف الصلاة والصبر ناحية فيقول: أما إني لو رأيت خللا لكنت أنا صاحبه .

قال سفيان) الثوري راويه (تجاحش) بجيم، ثم حاء مهملة، ثم شين معجمة؛ أي: تدافع (عنه أعماله الصالحة كما يجاحش الرجل عن أخيه وأهله وولده، ثم يقال له عند ذلك: بارك الله في مضجعك فنعم الأخلاء أخلاؤك ونعم الأصحاب أصحابك) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور، وفيه: قال: وكذلك الصلاة، قال: والصبر ناحية، فيقول: أما إني لو رأيت خللا كنت صاحبه، وتجاحش عنه أعماله، إلخ. ولم يقل قال سفيان وروى ابن منده والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رفعه قال: يؤتى الرجل في قبره فإذا أتي من قبل رأسه دفعه تلاوة القرآن، وإن أتي من قبل يديه دفعته الصدقة، وإذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه إلى المساجد والصبر حجرة، فقال: أما إني لو رأيت خللا كنت صاحبه. قوله: حجرة بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وراء أي ناحية .

وروى هناد في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة : والذي نفسي بيده إن الميت إذا وقع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم حتى يولون عنه، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن شماله وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول: الصلاة ليس قبلي مدخل، فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة: ليس من قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول: فعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس: ليس قبلي مدخل، فيقال له: اجلس وقد مثلت له الشمس وقد قربت للغروب فيقال: أخبرنا عما نسألك، فيقول: عما تسألوني؟ فيقال: ما تقول في هذا الرجل؟ فساقوا الحديث بطوله، وهذه إحدى طرق حديث أبي هريرة في إثبات السؤال .

وروى ابن أبي الدنيا وابن منده عن أبي هريرة قال: إذا احتضر المؤمن فخرج روحه من جسده تقول الملائكة: روح طيبة من جسد طيب، فإذا خرج من بيته إلى قبره فهو يحب ما أسرع به، فإذا دخل في قبره أتاه آت ليأخذ برأسه فيحول سجوده بينه وبينه ويأتيه ليأخذ ببطنه فيحول الصيام بينه وبينه، ويأتيه ليأخذ بيده فتحول الصدقة بينه وبينه، ويأتيه ليأخذ برجليه فيحول قيامه عليهما الصلاة وممشاه عليهما إلى الصلاة بينه وبينه، فما يفزع المؤمن بعدها أبدا، وإن من شاء الله من الخلق ليفزع، فإذا رأى مقعده وما أعد له قال: رب بلغني إلى منزلي فيقال له: إن لك إخوانا وأخوات لم يلحقوا بك فنم قرير العين، الحديث .

وروى ابن أبي الدنيا عن عائشة قال: إذا أخرج بسرير المؤمن نادى أنشدكم بالله لم أسرعتم بي؟ فإذا أدخل قبره حفه عمله فتجيء الصلاة فتكون عن يمينه ويجيء الوضوء فيكون عن يساره، ويجيء عمله بالمعروف فيكون عند رجليه، فتقول الصلاة: ليس لكم قبلي مدخل كان يصلي بي، فيأتيه من قبل يساره فيقول الصوم: إنه كان يصوم ويعطش فلا يجدون موضعا فيأتون من قبل رجليه، فتخاصم عنه أعماله فلا يجدون مسلكا وإذا كان الآخر ينادى بصوت يسمعه كل شيء إلا الإنسان فإنه لو سمعه صعق وجزع .



(فصل)

في فوائد منثورة تتعلق بالسؤال

* الأولى: روى أحمد في الزهد، عن طاوس قال: إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام.

* الثانية: قال الحكيم في نوادر الأصول، عن سفيان الثوري، قال: إذا سئل الميت من ربك؟ تراءى له الشيطان في صورة فيشير إلى نفسه أنا ربك، قال الحكيم : ويؤيده من الأخبار قوله، صلى الله عليه وسلم، عند دفن الميت: اللهم أجره من الشيطان، فلو لم يكن هناك للشيطان سبيل ما دعا، صلى الله عليه وسلم، بذلك .

* الثالثة: قال ابن شاهين في السنة، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا بقية، حدثني [ ص: 420 ] صفوان، حدثني راشد، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: تعلموا حجتكم فإنكم مسئولون، حتى إن كان أهل البيت من الأنصار يحضر الرجل منهم الموت فيوصونه، والغلام إذا عقل فيقولون له: إذا سألوك عن ربك فقل: الله ربي، وما دينك؟ فقل: الإسلام ديني، ومن نبيك؟ فقل: محمد نبيي.

* الرابعة: قال القرطبي : جاء في رواية سؤال الملكين وفي أخرى سؤال ملك واحد، ولا تعارض بل ذلك بالنسبة إلى الأشخاص فرب شخص يأتيه اثنان معا عند انصراف الناس ليكون أهول في حقه وأشد بحسب ما اقترف من الآثام، وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه تخفيفا عليه لحصول أنسه بهم، وآخر يأتيه ملك واحد فيكون أخف عليه وأقل في المراجعة؛ لما قدمه من العمل الصالح، قال: ويحتمل أن يأتي الاثنان ويكون السائل أحدهما وإن اشتركا في الإتيان فتحمل رواية الواحد على هذا، قال السيوطي في شرح الصدور: هذا الثاني هو الصواب، فإن ذكر الملكين هو الموجود في غالب الأحاديث .

* الخامس: قال القرطبي : اختلفت الأحاديث في كيفية السؤال والجواب وذلك بحسب الأشخاص أيضا، فمنهم من يسأل عن بعض اعتقاداته، ومنهم من يسأل عن كلها، قال: ويحتمل أن يكون الاقتصار على البعض من بعض الرواة وأتى به غيره تاما .

قال السيوطي : هذا الثاني هو الصواب لاتفاق أكثر الأحاديث عليه، نعم ويؤخذ منها خصوصا من رواية أبي داود عن أنس فما يسأل عن شيء بعدها، ولفظ ابن مردويه : فما يسأل عن شيء غيرها أنه لا يسأل عن شيء من التكليفات غير الاعتقاد، وصرح في رواية البيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا الآية قال: الشهادة يسألون عنها في قبورهم بعد موتهم، قيل لعكرمة : ما هو؟ قال: يسألون عن الإيمان بمحمد وأمر التوحيد.

* السادسة: ورد في رواية أنه يسأل في المجلس الواحد ثلاث مرات، وباقي الرويات ساكتة عن ذلك، فيحمل على ذلك أو يختلف الحال بالنسبة إلى الأشخاص، وقد تقدم عن طاوس أنهم يفتنون سبعة أيام .

* السابعة: قال الباقلاني : إن من لم يدفن ممن بقي على وجه الأرض يقع لهم السؤال والعذاب ويحجب الله أبصار المكلفين عن رؤية ذلك كما حجبها عن رؤية الملائكة والشياطين، قال بعضهم: وترد الحياة إلى المصلوب ونحن لا نشعر بها، كما أنا نحسب المغمى عليه ميتا، وكذلك يضيق عليه الجو كضمة القبر ولا يستنكر شيئا من ذلك من خالط الإيمان قلبه، وكذلك من تفرقت أجزاؤه يخلق الله الحياة في بعضها أو كلها ويوجه السؤال إليها، قاله إمام الحرمين، قال بعضهم: وليس هذا بأبعد من الذر الذي أخرجه الله من صلب آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى .

* الثامنة: قال ابن عبد البر : لا يكون السؤال إلا لمؤمن أو منافق كان منسوبا إلى دين الإسلام بظاهر الشهادة بخلاف الكافر فإنه لا يسأل، وخالفه القرطبي وابن القيم فقالا: أحاديث السؤال إلا لمؤمن أو منافق كان منسوبا إلى دين الإسلام بظاهر الشهادة بخلاف الكافر فإنه لا يسأل، وخالفه القرطبي وابن القيم فقالا: أحاديث السؤال فيها التصريح بأن الكافر والمنافق يسألان، قال السيوطي في شرح الصدور: وما قالاه ممنوع فإنه لم يجمع بينهما في شيء من الأحاديث، وإنما ورد في بعضها ذكر المنافق وفي بعضها بدله ذكر الكافر، وهو محمول بأن المراد به المنافق بدليل قوله في حديث أسماء وأما المنافق أو المرتاب ولم يذكر الكافر. انتهى .

وقال في أمالي الدرة: لطيفة، رأيت في النوم العام الماضي أني أملي حديث السؤال وأني أقول في آخره: وأما الفاسق فيمتحن بما كان يعمل في الدنيا أو كلمة تشبه هذه، ولعمري وهذا وإن لم يذكر في الحديث حتى تعرض له بعض الأئمة، وسأل عن حكمته؛ لأن المسئول إما مؤمن فيجاب بالنعيم أو لا فيجاب بالجحيم، فهل المؤمن الفاسق كالأول أو لا؟ فلا يبعد أن يقال: إنه يسأل عما كان يفسق به، بأن يقال مثلا لتارك الصلاة: ما تقول في الصلاة ونحو ذلك، ثم يرى مقعده من الجنة بعد تعذيبه على فسقه، ثم وجدت حديثا يشعر بذلك فأخرج الديلمي في مسند الفردوس إذا احتضر المسلم العاصي قيل له أبشر بالجنة بعد انتقام كذا وكذا.

* التاسعة: روى صاحب الحلية عن ضمرة بن حبيب قال: فتان القبر ثلاثة: أنكر، ونكور، ورومان. وروى ابن لال وابن الجوزي في الموضوعات عنه مرفوعا: فتانو القبر: أربعة: منكر ونكير وناكور، وسيدهم رومان، قال ابن الجوزي : هذا الحديث لا أصل له، وضمرة تابعي، ورواية الوقف عليه أثبت. انتهى. وسئل الحافظ ابن حجر : هل يأتي الميت ملك اسمه رومان؟ فأجاب أنه ورد بسند فيه لين، قلت: ولعل المصنف رحمه الله تعالى نظر إلى هذا فذكر في الدرة الفاخرة رومان وعزاه إلى حديث ابن [ ص: 421 ] مسعود، وأنكر السيوطي في أمالي الدرة هذا، وقال: ليس في طرق أحاديث السؤال ذكر رومان ولا فتانين قبل منكر ونكير، بل هما الفتانان .

* العاشرة: قال الحكيم الترمذي : سؤال القبر خاص بهذه الأمة؛ لأن الأمم قبلها كانت الرسل تأتيهم بالرسالة، فإذا أبوا كفت الرسل واعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب، فلما بعث الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة أمسك عنهم العذاب وأعطي السيف، حتى يدخل دين الإسلام من دخل لمهابة السيف، ثم يرسخ الإيمان في قلبه؛ فمن هنا ظهر النفاق، فكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان، فكانوا بين المسلمين في ستر، فلما ماتوا قيض الله لهم فتاني القبر ليستخرج سرهم بالسؤال وليميز الخبيث من الطيب. انتهى. وخالفه آخرون وقالوا: السؤال لهذه الأمة ولغيرها قال ابن عبد البر : ويدل على الاختصاص قوله: إن هذه الأمة تبلى في قبورها، وقوله: أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم، وقوله: بي تفتنون وعني تسألون.

* الحادية عشر: قال الحكيم أيضا: إنما سمي فتانا القبر؛ لأن في سؤالهما انتهارا وفي خلقهما صعوبة، وسميا منكرا ونكيرا؛ لأن خلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام، بل هما خلق بديع وليس في خلقهما أنس للناظرين إليهما، جعلهما الله تكرمة للمؤمن لتثبته وتبصره وهتكا لستر المنافق في البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب، قال السيوطي : وهذا إنما يدل على أن الاسم منكر بفتح الكاف وهو المجزوم به في القاموس، وذكر ابن يونس من أصحابنا الشافعية أن اسم ملكي المؤمن مبشر وبشير.

* الثانية عشر: قال القرطبي : إن قيل كيف يخاطب الملكان جميع الموتى في الأماكن المتباعدة في الوقت الواحد؛ فالجواب إن عظم جثتهما يقضي ذلك فيخاطبان الخلق الكثير في الجهة الواحدة في المرة الواحدة مخاطبة واحدة بحيث يخيل لكل واحد من المخاطبين أن المخاطب دون من سواه ويمنعه الله من سماع جواب بقية الموتى، قال السيوطي : ويحتمل تعدد الملائكة المعدة لذلك كما في الحفظة ونحوهم، ثم رأيت الحليمي من أصحابنا ذهب إليه فقال في منهاجه: والذي يشبه أن يكون ملائكة السؤال جماعة كثيرة يسمى بعضهم منكرا وبعضهم يسمى نكيرا، فيبعث إلى كل ميت اثنان منهم كما كان الموكل عليه لكتابة عمله ملكين .

* الثالثة عشر: وقع في فتاوى العلم للبلقيني أن الميت يجيب السؤال بالسريانية، قال السيوطي ولم أقف لذلك على مستند، وسئل الحافظ ابن حجر عن ذلك، فقال: ظاهر الحديث أنه بالعربي، قال ويحتمل مع ذلك أن يكون خطاب كل واحد بلسانه .

* الرابعة عشر: في أسئلة تتعلق بهذا الباب سئلها الحافظ ابن حجر، سئل عن الميت إذا سئل هل يقعد أم يسأل وهو راقد؟ فأجاب يقعد، وسئل عن الروح هل تلبس الجثة حينئذ كما كانت؟ فأجاب: نعم، لكن ظاهر الخبر أنها تحل في نصفه الأعلى، وسئل: هل يكشف له حتى يرى النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فأجاب أنه لم يرد في حديث وإنما ادعاه بعض من لا يحتج به بغير مستند سوى قوله في هذا الرجل ولا حجة فيه؛ لأن الإشارة إلى الحاضر في الذهن، وسئل عن الأطفال: هل يسألون؟ فأجاب الذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون مكلفا .

* الخامسة عشر * قال ابن القيم : إن الأحاديث مصرحة بإعادة الروح إلى البدن عند السؤال لكن هذه الإعادة لا تحصل بها الحياة المعهودة التي تقوم بها الروح بالبدن وتدبره ويحتاج معها إلى الطعام ونحوه، وإنما يحصل بها للبدن حياة أخرى يحصل بها الامتحان بالسؤال، وكما أن حياة النائم وهو حي غير حياة المستيقظ؛ فإن النوم أخو الموت ولا ينفى عن النائم إطلاق الحياة، فكذلك حياة الميت عند الإعادة إلى غير حياة الحي، وهي حياة لا تنفى عند إطلاق اسم الموت بل أمر متوسط بينهما، ولا دلالة في الحديث على أنها مستقرة، وإنما تدل على تعلق ما لها من البدن وهي لا تزال متعلقة به وإن بلي وتمزق وتقسم وتفرق .

وقال ابن تيمية : الأحاديث متواترة على عود الروح إلى البدن وقت السؤال، وسؤال البدن بلا روح قول طائفة منهم ابن الزاغوني وحكي عن ابن جرير وأنكره الجمهور وقابلهم آخرون فقالوا: السؤال للروح بلا بدن، قاله ابن حزم وآخرون منهم ابن عقيل وابن الجوزي وهو غلط وإلا لم يكن للقبر بذلك اختصاص، وقد تقدم ذلك في أول الباب .

* السادسة عشر: قال اليافعي في روض الرياحين عن شقيق البلخي أنه قال: طلبنا خمسا فوجدناه في خمس، طلبنا ترك الذنوب فوجدناه في صلاة الضحى، وطلبنا ضياء القبور فوجدناه في صلاة الليل، وطلبنا جواب منكر ونكير فوجدناه في قراءة [ ص: 422 ] القرآن، وطلبنا عبور الصراط فوجدناه في الصوم والصدقة، وطلبنا ظل العرش فوجدناه في الخلوة.

* السابعة عشر: قال البرازي من الحنفية في فتاويه: السؤال فيما يستقر فيه الميت حتى لو أكله سبع، فالسؤال في بطنه فإن جعل في تابوت لنقله إلى مكان آخر لا يسأل ما لم يدفن .




الخدمات العلمية