الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الرابع     في بعض مناقب أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما -

                                                                                                                                                                                                                                وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                                  الأول : في مولدها ونسبها ، ولدت وقريش تبني الكعبة قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين ، وتقدم نسب أبيها ، وأمها زينب بنت مظعون .

                                                                                                                                                                                                                                الثاني : فيمن كانت تحته وتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها - رضي الله تعالى عنها - .

                                                                                                                                                                                                                                كانت تحت خنيس بخاء معجمة مضمومة فنون مفتوحة ، فتحتية ، ساكنة فسين مهملة ابن حذافة ، بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة ، وبعد الألف فاء ، السهمي وكان ممن شهد بدرا فهاجر بها إلى المدينة فمات بها من جراحات أصابته ببدر ، وقيل : بل أحد ، ورجح كل مرجحون ، والأول أشهر ، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من مهاجره على القول الأول ، وبعد أحد على القول الثاني .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال : تألمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدرا فتوفي بالمدينة ، قال عمر : فلقيت عثمان فعرضت عليه حفصة ، وقلت : إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر ، قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ثم لقيني ، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج في يومي هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر ، فصمت أبو بكر ، فلم يرجع إلي شيئا ، فكنت أوجد عليه مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر ، فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة ، فلم أرجع إليك شيئا ؟ ، فقلت : نعم ، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقبلتها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن سعد عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال : لما توفي خنيس بن حذافة عرضت حفصة على عثمان ، فأعرض عني ، فذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، لا تعجب من عثمان ، إني عرضت عليه حفصة ، فأعرض عني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد زوج الله تعالى عثمان خيرا من ابنتك ، وزوج ابنتك خيرا من عثمان ، قال : وكان عمر قد عرض [ ص: 185 ] حفصة على عثمان في متوفى رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عثمان يريد يومئذ أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عثمان عن عمر لذلك ، فتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة ، وزوج أم كلثوم من عثمان .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، قال : تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة اثنتين من الهجرة بالمدينة .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أيضا عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال : أخبرني رجل من بني سهم من أهل المدينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها سنة ثلاث .

                                                                                                                                                                                                                                الثالث : في أمر الله - تبارك وتعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمراجعتها لما طلقها ، وقال : إنها زوجتك في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو داود والنسائي ، وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة ثم راجعها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو بكر بن أبي خيثمة ، والطبراني برجال الصحيح عن قيس بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة بنت عمر - رضي الله تعالى عنهما - فدخل عليها خالاها (حذافة ) وعثمان ابنا مظعون ، فبكت ، وقالت : والله ، ما طلقني عن شبع ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتجلببت فقال لي : قال لي جبريل : راجع حفصة ، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن أبي خيثمة أيضا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة تطليقة فأتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد ، طلقت حفصة وهي صوامة قوامة ، وهي زوجتك في الجنة ! وروى [أبو نعيم ] عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه قال : طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة فبلغ ذلك عمر فحثا على رأسه التراب وقال : ما يعبأ الله بعمر وابنته وبعدها نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغد ، وقال : إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بعمر ثم أراد أن يطلقها ثانية ، فقال له جبريل . لا تطلقها ، فإنها صوامة قوامة .

                                                                                                                                                                                                                                الرابع : في استظهارها بتحريم مارية .

                                                                                                                                                                                                                                [روى الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا [التحريم 3 ] قال : دخلت حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها ، وهو يطأ مارية فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تخبري عائشة حتى أبشرك بشارة فإن أباك يلي الأمر بعد أبي [ ص: 186 ] بكر إذا أنا مت ، فذهبت حفصة فأخبرت عائشة ، فقالت عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - : من أنبأك هذا قال : نبأني العليم الخبير فقالت عائشة : لا أنظر إليك حتى تحرم مارية فحرمها فأنزل الله : يا أيها النبي لم تحرم [التحريم 1 ] .

                                                                                                                                                                                                                                الخامس : في قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - إنها ابنة أبيها تنبيها على فضلها .

                                                                                                                                                                                                                                [روى أبو داود والبيهقي عن الزهري قال : بلغني أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام فأفطرتا عليه فدخل عليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة : فقالت حفصة فبدرتني بالكلام وكانت ابنة أبيها يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين وأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقضيا مكانه يوما آخر ] .

                                                                                                                                                                                                                                السادس : فيمن شهد بدرا من أهلها .

                                                                                                                                                                                                                                شهد من أهلها بدرا : أبوها عمر - رضي الله تعالى عنه - وعمها زيد ، وزوجها خنيس ، وأخوالها عثمان ، وعبد الله ، وقدامة بنو مظعون والسائب بن عثمان بن مظعون ابن خالها .

                                                                                                                                                                                                                                السابع : في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - توفيت في شعبان سنة خمس وأربعين بالمدينة وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة وحمل سريرها بعض الطريق ، ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها ، ونزل في قبرها عبد الله وعاصم ابنا عمر ، وسالم ، وعبد الله ، وحمزة بنو عبد الله بن عمر ، وقد بلغت ستين سنة ، وقيل : ماتت سنة إحدى وأربعين . رواه أبو بكر بن أبي خيثمة وقيل : ماتت لما بايع الحسن معاوية وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين فأوصت إلى عبد الله أخيها بما أوصى إليها عمر ، وتصدقت بمال وقفته بالغابة ، وروي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستون حديثا .

                                                                                                                                                                                                                                بيان غريب ما سبق .

                                                                                                                                                                                                                                الغابة : [موضع قريب من المدينة ] .

                                                                                                                                                                                                                                [ ص: 187 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية