الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الزكاة في المعادن

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة قال مالك أرى والله أعلم أنه لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شيء حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فإذا بلغ ذلك ففيه الزكاة مكانه وما زاد على ذلك أخذ بحساب ذلك ما دام في المعدن نيل فإذا انقطع عرقه ثم جاء بعد ذلك نيل فهو مثل الأول يبتدأ فيه الزكاة كما ابتدئت في الأول قال مالك والمعدن بمنزلة الزرع يؤخذ منه مثل ما يؤخذ من الزرع يؤخذ منه إذا خرج من المعدن من يومه ذلك ولا ينتظر به الحول كما يؤخذ من الزرع إذا حصد العشر ولا ينتظر أن يحول عليه الحول

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          3 - باب الزكاة في المعادن

                                                                                                          جمع معدن بكسر الدال من عدن إذا أقام لإقامة الذهب والفضة به ، أو لإقامة الناس فيها شتاء وصيفا .

                                                                                                          582 584 - ( مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ) واسمه فروخ المدني أحد الأعلام ( عن غير واحد ) مرسل عند جميع الرواة ، ووصله البزار من طريق عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه ، وأبو داود من طريق ثور بن يزيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع لبلال بن الحارث ) بن عاصم بن سعيد ( المزني ) من أهل المدينة ، وكان صاحب لواء مزينة يوم فتح مكة ، وكان يسكن وراء المدينة ثم تحول إلى البصرة ، أحاديثه في السنن وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان ، قال المدائني وغيره : مات سنة ستين وله ثمانون سنة ( معادن القبلية ) قال ابن الأثير : نسبة إلى قبل ، بفتح القاف والباء ، هذا هو المحفوظ في الحديث ، وفي كتاب الأمكنة : القلبة ، بكسر القاف وبعدها لام مفتوحة ثم باء ( وهي من ناحية الفرع ) بضم الفاء والراء كما جزم به السهيلي [ ص: 148 ] وعياض في المشارق ، وقال في كتابه التنبيهات : هكذا قيده الناس وكذا رويناه . وحكى عبد الحق عن الأحول إسكان الراء ولم يذكره غيره ، انتهى .

                                                                                                          فاقتصار النهاية والنووي في تهذيبه على الإسكان مرجوح ، قال في الروض : بضمتين من ناحية المدينة ، يقال إنها أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة ، وفيها عينان يقال لهما الربض والتحف يسقيان عشرين ألف نخلة كانت لحمزة بن عبد الله بن الزبير ، والربض منابت الأراك في الرمل ( فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة ) فدل ذلك على وجوب زكاة المعدن ( قال مالك : أرى والله أعلم أن لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شيء حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين دينارا عينا ) أي ذهبا ( أو ) قدر ( مائتي درهم ) فضة وهي خمس أواق ، وبهذا قال جماعة ، وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما : المعدن كالركاز وفيه الخمس يؤخذ من قليله وكثيره ، وتعقب بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال : " في المعدن جبار وفي الركاز الخمس " فغاير بينهما ولو كانا بمعنى واحد لجمعهما ، والفرق بينهما أن المعدن يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز ، وقد جرت عادة الشرع أن ما عظمت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت زيد فيه ( فإذا بلغ ذلك ففيه الزكاة ) ربع العشر ( مكانه ) يريد عند أخذه من المعدن واجتماعه عند العامل ، ويحتمل أن يريد عند تصفيته واقتسامه ، والأظهر عندي أن الزكاة تجب فيه عند انفصاله من معدنه كالزرع تجب فيه الزكاة ببدو صلاحه ، قاله الباجي .

                                                                                                          ( وما زاد على ذلك أخذ بحساب ذلك ما دام في المعدن نيل ) فيضم إلى الأول الذي بلغ النصاب ويزكى ; لأنه بقية عرقه . ( فإذا انقطع عرقه ثم جاء بعد ذلك نيل ) آخر ( فهو مثل الأول يبتدأ فيه الزكاة كما ابتدئت في الأول ) فإن زكى وإلا فلا ، ويضم بقية عرقه إن بلغ كالأول ، فلا يضاف الثاني إلى الأول بلغ الأول نصابا أم لا ، كما لا يضاف زرع عام إلى زرع عام آخر . ( والمعدن ) ولابن وضاح : والمعادن ( بمنزلة الزرع ) لأن الله ينبته في الأرض كما ينبت الزرع ( يؤخذ منه ) ولابن وضاح منها ( مثل ما يؤخذ من الزرع ) ليس المراد بالمثلية في القدر المخرج بل في تزكيته مكانه ما أفاده قوله : [ ص: 149 ] ( يؤخذ منه إذا خرج من المعدن من يومه ذلك ولا ينتظر به الحول ، كما يؤخذ من الزرع إذا حصد العشر ) أو نصفه ( ولا ينتظر أن يحول عليه الحول ) فاستدل بالقياس على الحكم الذي أعطاه أولا بقوله : مكانه ، ووافقه الشافعي في القديم ، وقال في الجديد كأبي حنيفة : لا زكاة حتى يحول عليه الحول ; لأنه فائدة تستقبل بها .




                                                                                                          الخدمات العلمية