الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب رفع الصوت بالإهلال

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما

                                                                                                          وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لتسمع المرأة نفسها

                                                                                                          قال مالك لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعات ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى فإنه يرفع صوته فيهما

                                                                                                          قال مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة وعلى كل شرف من الأرض

                                                                                                          [ ص: 371 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 371 ] 10 - باب رفع الصوت بالإهلال

                                                                                                          أي التلبية ، وقول عياض : هو رفع الصوت بالتلبية تعقب بأنه لا يلتئم حينئذ قوله بالإهلال مع قوله رفع الصوت ، قال عياض : واستهل المولود رفع صوته وكل شيء ارتفع صوته فقد استهل وبه سمي الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه ، واستبعده ابن المنير لأن العرب ما كانت تعتني بالأهلة لأنها لا تؤرخ بها ، والهلال يسمى بذلك قبل العناية بالتاريخ ، وبأن جعل الإهلال مأخوذا من الهلال أولى لقاعدة تصريفية وهي أنه إذا تعارض الأمر في اللفظين أيهما أخذ من الآخر جعلت الألفاظ المتناولة للذات أصلا للألفاظ المتناولة للمعاني والهلال ذات فهو الأصل ، والإهلال معنى يتعلق به فهو الفرع انتهى .

                                                                                                          744 737 - ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ) بفتح العين ( ابن حزم ) الأنصاري المدني ( عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام ) المخزومي المدني مات في أول خلافة هشام ( عن خلاد بن السائب الأنصاري ) الخزرجي التابعي الثقة ، ووهم من زعم أنه صحابي ( عن أبيه ) السائب بن خلاد بن سويد أبي سهل المدني له صحبة ، وعمل على اليمن ، ومات سنة إحدى وسبعين ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل فأمرني ) عن الله تعالى أمر ندب عند الجمهور ووجوب عند الظاهرية ، ( أن آمر أصحابي أو من معي ) بالشك في رواية يحيى والشافعي وغيرهما من الراوي إشارة إلى أن المصطفى قال أحد اللفظين وكل منهما يسد مسد الآخر ، وتجويز ابن الأثير أن الشك من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نوع سهو ولا يعصم عنه ركيك متعسف ، وفي رواية القعنبي : ومن معي بالواو ، قال الولي العراقي : يحتمل أنه زيادة إيضاح وبيان فإن الذين معه أصحابه ، ويحتمل أن يريد بأصحابه الملازمين له المقيمين معه في بلده وهم المهاجرون والأنصار وبمن معه غيرهم ممن قدم ليحج معه ولم يره إلا في تلك الحجة .

                                                                                                          وقال غيره : عطفه على أصحابه لما قد يتوهم أن مراده الذين صحبوه وعرفوا به لطول الملازمة له دون من رافقه واتبعه في وقت ما فجمع بينهما ليفيد أن مراده كل من صحبه ولو في وقت ما حتى من لم يره إلا مرة واحدة ولم يكلمه فعطفهم عليهم لزيادة الاهتمام بشأن تعليمهم ، إذ من قرب عهده بالإسلام أو الهجرة أحق بتأكيد [ ص: 372 ] التعريف بالسنة .

                                                                                                          وأما الخاصة فمظنة الاطلاع على خفايا الشريعة ودقائقها ، ( أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية ) إظهارا لشعار الإحرام وتعليما للجاهل ما يستحب في ذلك المقام ، ( أو بالإهلال ) وهو رفع الصوت بالتلبية كما مر فالتصريح بالرفع معه زيادة بيان ، ( يريد أحدهما ) يعني أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال أحد هذين اللفظين ، لكن الراوي شك فيما قاله من ذلك فأتى بأو التي لأحد الشيئين ثم زاد ذلك بيانا بقوله يريد أحدهما .

                                                                                                          وفي النسائي عن ابن عيينة بالتلبية .

                                                                                                          وفي ابن ماجه عنه بالإهلال .

                                                                                                          ولأحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن خالد مرفوعا : " أتاني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج " ، ولابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال : " كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين " ، وله أيضا بسند صحيح عن المطلب بن عبد الله قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم " ، وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك به وتابعه ابن جريج ، كما أفاده المزي وسفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه عند الترمذي والنسائي وابن ماجه ، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وابن حبان ورجاله ثقات وإن اختلف على التابعي في صحابيه ، فقيل : أبوه كما هنا ، وقيل : زيد بن خالد ، وقيل : عن خلاد عن أبيه عن زيد بن خالد ، وأخرجه ابن ماجه عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد عن زيد بن خالد ، وقال ابن عبد البر : هذا حديث اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وأرجو أن رواية مالك أصح انتهى .

                                                                                                          وهو اختلاف لا يضر .

                                                                                                          أما في الصحابي فلا مانع أن خلادا سمعه من أبيه ومن زيد ، كما أن أباه قد يكون سمعه من زيد ثم من المصطفى فحدث به كل منهما على الوجهين ، أو كان السائب يرسله تارة ، وأما رواية الثوري فمن الجائز أن يسمعه من خلاد الرجلان ولهذا لم يلتفت الترمذي ومن عطف عليه إلى هذا الاختلاف وصححوه كما مر .

                                                                                                          ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية ) لأنه يخشى من صوتها الفتنة ( لتسمع المرأة نفسها ) فيستثنى ذلك من قوله : ومن معي فليس لهن ذلك ، ( قال مالك : لا يرفع المحرم صوته بإهلال في مساجد الجماعات ) لئلا يخلط عليهم ( ليسمع [ ص: 373 ] نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى فإنه يرفع صوته فيهما ) ، ووجه الاستثناء أن المسجد الحرام جعل للحاج والمعتمر وغيرهما فكان الملبي إنما يقصد إليه فكان وجه الخصوصية وكذلك مسجد منى .

                                                                                                          ( قال مالك : سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة ) ولو نافلة ، ( وعلى كل شرف ) مكان مرتفع ( من الأرض ) ، وكذا يندب لقيام وقعود ونزول وركوب وصعود وهبوط وملاقاة رفاق وسماع ملب ، وفي تلبية من رجع لشيء نسيه في رجوعه روايتان .




                                                                                                          الخدمات العلمية