الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى فإن سرق ثالثا لم يقطع وخلد في السجن حتى يتوب ) وهذا استحسان ويعزر أيضا ذكره المشايخ رحمهم الله.

                                                                                                        وقال الشافعي رحمه الله : في الثالثة تقطع يده اليسرى وفي الرابعة : تقطع رجله اليمنى لقوله عليه الصلاة والسلام : { من سرق فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه [ ص: 206 ] فإن عاد فاقطعوه }" ويروى مفسرا كما هو مذهبه ، ولأن الثالثة مثل الأولى في كونها جناية بل فوقها فتكون أدعى إلى شرع الحد .

                                                                                                        [ ص: 207 - 208 ] ولنا : قول علي رضي الله عنه فيه : إني لأستحيي من الله تعالى أن لا أدع له [ ص: 209 ] يدا يأكل بها ويستنجي بها ورجلا يمشي عليها ، وبهذا حاج بقية الصحابة رضي الله عنهم فحجهم فانعقد إجماعا ، ولأنه إهلاك معنى لما فيه من تفويت جنس المنفعة والحد زاجر ، ولأنه نادر الوجود والزجر فيما يغلب وقوعه ، بخلاف القصاص ; لأنه حق العبد فيستوفى ما أمكن جبرا لحقه ، والحديث طعن فيه الطحاوي رحمه الله ، أو نحمله على السياسة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث عشر :

                                                                                                        قال عليه السلام : { من سرق فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه ، فإن عاد فاقطعوه }" قلت : أخرج أبو داود عن مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر ، قال : { جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، فقال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الثانية ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الثالثة ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الرابعة ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم جيء به الخامسة ، فقال : اقتلوه ، قال جابر : فانطلقنا به ، فقتلناه ، ثم اجتررناه ، فألقيناه في بئر ، ورمينا عليه الحجارة }انتهى .

                                                                                                        قال النسائي حديث منكر ، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن يزيد بن سنان ثنا أبي ثنا هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر ، ومحمد بن يزيد هذا فيه مقال ، وأخرجه أيضا عن عائذ بن حبيب عن هشام به ، وعائذ بن حبيب شيعي له مناكير ، وأخرجه أيضا عن سعيد بن يحيى ثنا هشام به ، وسعيد بن يحيى هو ابن صالح اللخمي ، فيه مقال .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه النسائي في " سننه " عن حماد بن سلمة أنبأ يوسف بن سعيد عن الحارث بن حاطب اللخمي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص ، فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقتلوه ، قالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال : اقطعوه ، فقطع ، ثم سرق ، فقطعت رجله ، ثم سرق على عهد أبي بكر ، حتى قطعت قوائمه كلها ، ثم سرق الخامسة ، فقال أبو بكر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا ، حين قال : اقتلوه }انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه أبو نعيم في " كتاب الحلية في ترجمة أصحاب الصفة " عن [ ص: 206 ] حزام بن عثمان عن معاذ بن عبد الله عن عبد الله بن زيد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من سرق متاعا ، فاقطعوا يده ، فإن سرق ، فاقطعوا رجله ، فإن سرق ، فاقطعوا يده ، فإن سرق ، فاقطعوا رجله ، فإن سرق فاضربوا عنقه }انتهى .

                                                                                                        وقال : تفرد به حزام بن عثمان ، وهو من الضعف بالمحل العظيم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        تقدم عند الدارقطني من طريق الواقدي عن ابن أبي ذئب عن خالد بن سلمة ، أراه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا سرق السارق فاقطعوا يده ، فإن عاد ، فاقطعوا رجله ، فإن عاد فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله }انتهى .

                                                                                                        وتقدم هذا في " الحديث التاسع " ، والواقدي فيه مقال .

                                                                                                        قوله : ويروى مفسرا ، كما هو مذهبه قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " .

                                                                                                        والطبراني في " معجمه " عن الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك ، قال : { سرق مملوك أربع مرات ، والنبي صلى الله عليه وسلم يعفو عنه ، ثم سرق الخامسة ، فقطع يده ، ثم السادسة ، فقطع رجله ، ثم السابعة ، فقطع يده ، ثم الثامنة ، فقطع رجله ، وقال عليه السلام : أربع بأربع }انتهى .

                                                                                                        ووهم عبد الحق في " أحكامه " فعزاه للنسائي ، وتعقبه ابن القطان في " كتابه " ، وقال : ليس هذا الحديث بوجه عند النسائي ، انتهى .

                                                                                                        وهو حديث ضعيف ، قال عبد الحق : هذا لا يصح للإرسال ، وضعف الإسناد ، وقال شيخنا الذهبي في " ميزانه " : إنه يشبه أن يكون موضوعا ، وضعف الفضل بن المختار عن جماعة من غير توثيق .

                                                                                                        طريق آخر :

                                                                                                        رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد ربه بن أبي أمية أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وعبد الرحمن بن سابط ، قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعبد ، فقيل : يا رسول الله هذا عبد قد سرق ، ووجدت سرقته معه ، وقامت البينة [ ص: 207 ] عليه ، فقال رجل : يا نبي الله هذا عبد بني فلان ، أيتام ليس لهم مال غيره ، فتركه ، ثم أتي به الثانية ، فتركه ، ثم أتي به الثالثة ، فتركه ، ثم أتي به الرابعة ، فتركه ، ثم أتي به الخامسة ، فقطع يده ، ثم السادسة ، فقطع رجله ، ثم السابعة ، فقطع يده ، ثم الثامنة ، فقطع رجله ، ثم قال : أربع بأربع }انتهى .

                                                                                                        وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " بسنده ، ومتنه ، وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن أبي بكر عن ابن جريج أخبرني عبد ربه بن أبي أمية بن الحارث عن الحارث بن عبد الله به .

                                                                                                        قوله : والحديث طعن فيه الطحاوي . . . . .

                                                                                                        الآثار :

                                                                                                        روى مالك في " الموطإ " عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من اليمن أقطع اليد والرجل قدم ، فنزل على أبي بكر الصديق ، فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه ، فكان يصلي من الليل ، فيقول : أبو بكر : وأبيك ما ليلك بليل سارق ، ثم إنهم فقدوا عقدا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق ، فجعل الرجل يطوف معهم ، ويقول : اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح ، فوجدوا الحلي عند صائغ ، زعم أن الأقطع جاءه به ، فاعترف الأقطع ، أو شهد عليه ، فأمر به أبو بكر ، فقطعت يده اليسرى ، وقال : أبو بكر لدعاؤه على نفسه أشد عليه من سرقته انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : قدم على أبي بكر رجل أقطع ، فشكا إليه أن يعلى بن أمية قطع يده ورجله في سرقة ، وقال : والله ما زدت على أنه كان يوليني شيئا من عمله ، فخنته في فريضة واحدة ، فقطع يدي ، ورجلي ، فقال له أبو بكر : إن كنت صادقا فلأقيدنك منه ، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى فقد آل أبي بكر حليا لهم ، فاستقبل القبلة ، ورفع يده ، وقال : أظهر من سرق أهل هذا البيت الصالح ، قال : فما انتصف النهار حتى عثروا على المتاع عنده ، فقال له أبو بكر : ويلك إنك لقليل العلم بالله ، فقطع أبو بكر يده الثانية ، قال ابن جريج : وكان اسمه جبرا ، أو جبيرا ، وكان أبو بكر يقول : لجرأته على الله أغيظ عندي من سرقته انتهى .

                                                                                                        قال محمد بن الحسن في " موطئه " : قال الزهري : ويروى عن عائشة ، قالت : إنما كان الذي سرق حلي أسماء أقطع اليد اليمنى ، فقطع أبو بكر رجله اليسرى ، وكانت تنكر أن يكون أقطع اليد [ ص: 208 ] والرجل ، قال : وكان ابن شهاب أعلم بهذا الحديث من غيره انتهى .

                                                                                                        قوله : روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إني لأستحيي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ، ويستنجي بها ، ورجلا يمشي عليها قلت : رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " وأخبرنا أبو حنيفة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب ، قال : إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى ، فإن عاد قطعت رجله اليسرى ، فإن عاد ضمنه السجن ، حتى يحدث خيرا ، إني أستحيي من الله أن أدعه ليس له يد يأكل بها ، ويستنجي بها ، ورجل يمشي عليها انتهى .

                                                                                                        ومن طريق محمد بن الحسن رواه الدارقطني في " سننه " بسنده ومتنه ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي ، قال .

                                                                                                        كان علي لا يقطع إلا اليد والرجل ، وإن سرق بعد ذلك سجنه ، ويقول : إني لأستحيي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ، ويستنجي انتهى . ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : كان علي لا يزيد على أن يقطع السارق يدا ورجلا ، فإذا أتي به بعد ذلك ، قال : إني لأستحيي أن أدعه لا يتطهر لصلاته ، ولكن احبسوه انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البيهقي عن عبد الله بن سلمة عن علي أنه أتي بسارق ، فقطع يده ، ثم أتي به ، فقطع رجله ، ثم أتي به ، فقال : أقطع يده ؟ بأي شيء يتمسح وبأي شيء يأكل ؟ أقطع رجله على أي شيء يمشي ؟ إني لأستحيي من الله ، ثم ضربه ، وخلده في السجن انتهى .

                                                                                                        أثر آخر :

                                                                                                        قال ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد عن حجاج عن عمرو بن دينار أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن السارق ، فكتب إليه بمثل قول علي ، حدثنا أبو خالد عن حجاج عن سماك عن بعض أصحابه أن عمر استشارهم في سارق ، فأجمعا على مثل قول علي انتهى .

                                                                                                        حدثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول أن عمر قال : إذا سرق فاقطعوا يده ، ثم إن عاد فاقطعوا رجله ، ولا تقطعوا يده الأخرى ، وذروه [ ص: 209 ] يأكل بها ، ويستنجي بها ، ولكن احبسوه عن المسلمين انتهى .

                                                                                                        وأخرج عن النخعي قال : كانوا يقولون : لا يترك ابن آدم مثل البهيمة ليس له يد يأكل بها ، ويستنجي بها انتهى .

                                                                                                        قوله : وبهذا حاج علي بقية الصحابة فحجهم قلت : في " التنقيح " قال سعيد بن منصور : ثنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه ، قال : حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل ، قد سرق ، فقال لأصحابه : ما ترون في هذا ؟ قالوا : اقطعه يا أمير المؤمنين ، قال : قتلته إذا ، وما عليه القتل ، بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة ؟ بأي شيء يغتسل من جنابته ؟ بأي شيء يقوم على حاجته ؟ ، فرده إلى السجن أياما ، ثم أخرجه ، فاستشار أصحابه ، فقالوا مثل قولهم الأول ، وقال لهم مثل ما قال أول مرة ، فجلده جلدا شديدا ، ثم أرسله ، وقال سعيد أيضا : حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عائذ ، قال : أتي عمر بن الخطاب بأقطع اليد والرجل ، قد سرق ، فأمر أن تقطع رجله ، فقال علي : قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله }الآية ، فقد قطعت يد هذا ، فلا ينبغي أن تقطع رجله ، فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها ، إما أن تعزره ، وإما أن تودعه السجن ، فاستودعه السجن انتهى .

                                                                                                        وهذا الثاني رواه البيهقي في " سننه " .




                                                                                                        الخدمات العلمية