الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن سأله أهل السهمان أن يتعجل لهم دون رب المال فعلى الأقسام الماضية ؛ لأن الأقسام فيها متماثلة وإنما الأجوبة مختلفة ، فلم يكن بد من إعادة الأقسام وإن تكررت ليصح تقسيم المسألة ، ويبين جواب كل قسم ، فأحد الأقسام الثلاثة : أن يكون الوالي قد صرفها في أهل السهمان .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون في يده .

                                                                                                                                            [ ص: 166 ] والثالث : أن تكون قد تلفت من يده ، فإن كان قد صرفها في أهل السهمان فللدافع والمدفوع إليه عند حلول الحول أربعة أحوال على ما مضى ، أحدها : أن يكونا معا من أهل الزكاة فلا يرجع .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكونا معا من غير أهل الزكاة فلرب المال أن يرجع بها على الوالي ، ويرجع بها الوالي على أهل السهمان ، بخلاف ما مضى قبل ؛ لأن الوالي هو الآخذ وليس بنائب عن رب المال فيلزمه رد ما أخذه ، فإن كانت باقية استرجعها بعينها ؟ وإن كانت تالفة فإن كانت ورقا أو ذهبا استرجع مثلها ، وإن كانت حيوانا فعلى وجهين كالقرض ، لأنه يسترجعها في حق نفسه لا في حق أهل السهمان .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون الدافع من أهل الزكاة والمدفوع إليه غير مستحق للزكاة فعلى الوالي استرجاعها من المدفوع إليه ، وصرفها في غيره ممن يستحقها ، وليس لرب المال استرجاعها ؛ لأن إخراجها واجب عليه ، فإن كانت باقية استرجعها الوالي بعينها وصرفها في مستحقيها من أهل السهمان ، وإن كانت تالفة استرجع مثلها وإن كانت حيوانا ، لأنه يسترجعها في حق أهل السهمان فوجب أن يسترجع ما يصرف مصرف الزكاة وهو العين دون القيمة .

                                                                                                                                            والرابع : أن يكون الدافع ممن لا تجب عليه الزكاة والمدفوع إليه ممن يستحق الزكاة ، فلرب المال أن يرجع بها على الوالي ، وللوالي أن يرجع بها على المدفوع إليه ، فإن كانت باقية استرجعها بعينها ، وإن تلفت وهي حيوان فعلى وجهين كالقرض ، لأنه يسترجعها في حق رب المال لا في حق أهل السهمان .

                                                                                                                                            أحدهما : يسترجع القيمة .

                                                                                                                                            والثاني : يسترجع المثل ، وإن كانت الزكاة في يد الوالي فعليه صرفها في أهل السهمان ، وليس لرب المال أن يرجع بها بخلاف ما لو سأله أن يتعجلها إلا أن يتغير حاله عند الحول ؛ لأن يد الوالي هاهنا يد لأهل السهمان ، وهناك يد لرب المال ، وإن كانت الزكاة قد تلفت من يد الوالي فلا ضمان عليه ما لم يفرط ، وهي تالفة من مال أهل السهمان ، لأنه نائب عنهم ، وقد أدى ذلك رب المال ، فإن تغيرت حال رب المال عند الحلول كان له أن يرجع بها على الوالي ، ويرجع بها الوالي في مال أهل السهمان ، فإن كانت باقية استرجعها بعينها ، وإن كانت تالفة وهي حيوان فعلى وجهين : لأنه يرجع بها في حق نفسه لا في حق أهل السهمان . فهذا الكلام فيه إذا سأله أهل السهمان ، ولو رأى الإمام بأطفال المساكين حاجة إلى التعجيل وكانوا أيتاما فاستسلف لهم فتلف في يده من غير تفريط فقد اختلف أصحابنا في استسلافه وضمانه على وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 167 ] أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : ليس للوالي أن يستسلف لغير البالغين من الفقراء والمساكين ، فإن فعل كان ضامنا ؛ لأن لهم حقا في خمس الخمس وسهما فيه ليستغنون به عن غيره .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : ليس له أن يستسلف لهم ولا ضمان عليه إن تلف ، لأنهم ممن يستحقون أخذ الزكاة عند وجوبها فجاز تعجيلها فيهم قبل وجوبها كالبالغين ، ولأنه لما كان للوالي النظر على البالغين منهم ، فلأن يكون له النظر على أيتامهم أولى ، ويقوم نظره لهم عند الحاجة مقام إذنهم في التعجيل ومسألتهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية